للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر رحيل السلطان إلى القدس ونظره في مصالحه

ثم رحل السلطان إلى القدس في رابع شهر رمضان، وتفقد أحواله، وعرض رجاله، واشتغل بتشييد أسواره وتحصينها، وتعمير خنادقه، وزاد في وقف المدرسة المعروفة، وهذه المدرسة كانت قبل الإسلام تعرف بصند حنه (١) يذكرون أن فيها قبر حنة أم مريم - عليها السلام -، ثم صارت في الإسلام دار علم قبل أن يملك الفرنج القدس، وكان يدرس بها العلم الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسى قبيل أخذ الفرنج للقدس، ثم لما ملك الفرنج القدس سنة اثنين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة كما كانت قبل الإسلام، فلما فتح السلطان القدس أعادها مدرسة، ووقف عليها وقوفا جليلة، وفوض تدريسها ووقفها إلى القاضى بهاء الدين بن شداد، وترلاها جماعة من الفقهاء، منهم: فخر الدين بن عساكر؛ وتولاها والدى - رحمه الله - من جهة الملك المعظم شرف الدين عيسى بن الملك العادل، وأقمنا بها من سنة اثنين وعشرين وستمائة (٢).


(١) هذا تحريف عن التسمية الفرنسية (Sainte Anne) أي القديسة حنه، وقد ذكر (كرد على: خطط الشام، ج ٦، ص ١٢٢ - ١٢٣) أن هذه المدرسة كانت تعرف بالمدرسة الصلاحية، فقد وقفها صلاح الدين على الفقهاء الشافعية، وأرخ لها بقوله إن صلاح الدين كان نازلا في كنيسة صهيون ففاوض جلساءه من العلماء الأكابر في أن يبنى مدرسة للفقهاء الشافعية ورباطا للصلحاء الصوفية، فعين للمدرسة الكنيسة المعروفة «بصندحنة» عند باب أسباط،. . . . . . وقيل كان موضع هذه المدرسة ديرا للراهبات أقيم في مكان بيت القديسين: يواكيم وحنة، فهدمه الملك وأقام المدرسة مكانه، وتاريخ وقفها سنة ٥٨٨، وكان الأتراك نزلوا عن هذه المدرسة للآباء البيض في القرن الماضى، فجعلوها مدرسة أكليركية، وفى الحرب العامة أخذها الترك وجعلوها مدرسة للعلوم الدينية، فلما سقط القدس في أيدى الحلفاء رجعت إلى المسيحيين كنيسة.
(٢) هذه إشارة لها قيمتها عند التاريخ للمؤلف جمال الدين بن واصل ووالده سالم، فقد عين المعظم الوالد سالما مدرسا بالمدرسة الصلاحية بالقدس سنة ٦٢٢، وظل ابنه جمال الدين مقيما معه بالقدس إلى سنة ٦٢٤، وفى تلك السنة سافر الوالد لأداء فريضة الحج، فناب ابنه عنه في التدريس بنفس المدرسة إلى قبيل رمضان سنة ٦٢٥ هـ‍. وسيشير المؤلف إلى هذا كله فيما يلى من صفحات هذا الكتاب انظر أيضا يحثنا الذى لم يطبع بعد عن (جمال الدين بن واصل وكتابه مفرج الكروب في أخبار بنى أيوب).

<<  <  ج: ص:  >  >>