إلى جبلة جاء بالشوانى، ووضعها على موازاة الطريق، وفيها الرماة، فأمر السلطان بنقل الجفاتى (١) إلى هناك وتصفيفها، وتكثير ستائرها، وأجلس الرماة من ورائها، فما زال الأمر كذلك، والرماة ترمى، والمسلمون سالكون المضيق إلى أن عبرت الأثقال والأحمال، وخلص المسلمون من تلك المثقة، ووصلوا إلى مدينة يقال لها بلنياس، وقد انجلى عنها أهلها، فخيّم السلطان عليها، ثم أصبح على الرحيل، فاعترضه نهر عميق ما فيه طريق، وهو مطرد من الجبل إلى البحر، وعليه قنطرة واحدة، فتنكبها السلطان بالجحفل، ومضى يمينا إلى الجبل، وأبعد حتى عبر فوق رأس العين، وأحاطت العساكر بالنهر من جانبيه، (٣١٧) وتزاحمت الأثقال على القنطرة، فما خلصوا تلك الليلة إلى آخرها، ونزل السلطان قبل وصول الأثقال إلى بلده، وهى بليدة من غربى النهر على شاطئ البحر، وقد أخلاها أهلها.
[ذكر فتح جبلة]
وأصبح السلطان يوم الجمعة لاثنتى عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى نازلا على جبلة، وكان قاضيها قد سبق إليها، واتفق مع من فيها من المسلمين على التسليم، فما وصل المسلمون إليها إلا وقد رفعت على سورها الأعلام السلطانية،
(١) الجفتا - والجمع جفاتى وجفتيات - عرفها دوزى بالكلمة الفرنسية (palissade) : أي السياج الساتز، ويبدو أنها كانت نوعا من المتراس أو الحاجز المعيق لتقدم العدو، أو الذى يستتر وراءه الجنود الرماة أثناء القتال، وفى المراجع المعاصرة نصوص قد تلقى الضوء على معنى هذا اللفظ؛ فقد جاء في (العماد: الفتح القسى، ص ٥٨): " فحوّل السلطان إلى قربها له خيمة صغيرة، وأنهض بنات الحنايا بالمنايا عليها مغيرة، وصفّ الجفاتى، فصدف أتيها الآتى. . . الخ " وقال في ص ٦٠: " يركان من إحكام العزم، وإتمام الحزم، تكميل الآلات وتتميمها، وتركيب الأبراج والدبابات وتأليفها، وتقريب الجفاتى والجنويات وتصفيفها "؛ وقال في ص ٦١: " ونظمت الستائر من القضيب، وصفّت من سور صور بالمكان القريب، وكمت من ورائها الكماة، واستترت بالجفاتى قدامها الرماة ".