وسار الباقون على الساحل، فثارت على ابن ملك الألمان ريح فأهلكت من أصحابه ثلاث مراكب، ووصل ابن ملك الألمان إلى عكا في جمع قليل في سادس [٣٦٣] رمضان، فلم يظهر لهم موقع، ثم هلك ابن ملك الألمان على عكا في ثانى عشر ذى الحجة من هذه السنة، وأطفأ الله جمرته وجمرة أصحابه، وأبادهم بعد أن كان المسلمون قد يئسوا - لكثرتهم - من بلاد الإسلام، وتيقنوا أنهم لا طاقة لهم به، ففعل الله تعالى ما لم يكن في حسابهم.
[ذكر الواقعة الكائنة عند وصول ابن ملك الألمان]
ولما وصل ابن ملك الألمان رام أن يظهر لمجيئه وقعا، فركب في الفرنجية فارسها وراجلها وقربوا من تل العياضية، وعليه خيم اليزكية، والنوبة فيها للحلقة السلطانية وعسكر الموصل، فقابلهم اليزك، وركب السلطان، وتقدم إلى تل كيسان، ولم تزل الحرب قائمة إلى أن جن الظلام، وكانت الدائرة على الكفار، فقتل منهم وجرح خلق كثير، فلم يزل السيف يعمل فيهم وهم هاربون حتى وصلوا إلى مخيمهم، ولم يقتل من المسلمين ذلك اليوم إلا رجلان، وجرح جماعة كثيرة.
[ذكر دخول الميرة إلى عكا]
وكان السلطان قد أعدّ ببيروت بطشة (١) عظيمة، وأودعها أربعمائة غرارة قمح ووضع فيها الجبن والبصل والغنم وسائر ما يحتاج اليه، وكان الفرنج قد أداروا مراكبهم حول البلد منعا له من أن يدخل إليها ميرة، وكانت حاجة أهل البلد قد اشتدت جدا إلى الطعام، فركب في تلك البطشة جماعة من المسلمين وتزيّوا
(١) لشرح هذا المصطلح راجع ما فات هنا، ص ٧٧، هامش ١