ووصل إلى السلطان وهو في تلك المنزلة قاضى جبلة منصور بن نبيل، وجماعة معه، فأشار على السلطان بقصد جبلة، وتكفل له بفتحها، وفتح اللاذقية، وتلك الحصون الشمالية والمعاقل، وكانت تلك البلاد قد سلمها إليه ابرنس أنطاكية، وعوّل عليه فيها، وقال للسلطان:
" إن الاشتغال بطرابلس مع حصانتها ومنعتها يذهب الزمان، والمسلمون بجبلة راغبون في التسليم، منتظرون للسلطان أن يخلصهم من الفرنج ".
فأصغى إلى قوله.
[ذكر فتح أنطرطوس]
ثم سار السلطان من منزلته تلك ذلك اليوم - يوم الجمعة رابع جمادى الأولى - على تعبية لقاء العدو؛ ورتّب الأطلاب، وسارت الميمنة ومقدمها عماد الدين زنكى، والقلب في الوسط، والميسرة في الآخرة، ومقدمها مظفر الدين بن زين الدين، والثقل في وسط العسكر، حتى أتى المنزل، فبات تلك الليلة في بلد العدو، ثم رحل صبيحة السبت ونزل على العزيمة، فلم يعرض لها، ولكن أقام عليها بقية يومه، ورحل يوم الأحد، فوصل إلى انطرطوس، فوقف قبالتها ينظر إليها، وكان عزمه الاجتياز إلى جبلة، فاستهان بأمرها، فسير من ردّ الميمنة، وأمرها بالنزول على البحر من الجانب الآخر، فما استتم نصب الخيم حتى صعد الناس السور وغنم العسكر جميع ما فيها، وخرج الناس ومعهم الأسرى والأموال، وترك الغلمان نصب الخيم، واشتغلوا بالكسب، ووفى بقوله - رحمه الله - فإنه كان قد عرض عليه الغدا، فقال:" نتغدى بانطرطوس إن شاء الله ".