ولما عزم السلطان على الخروج للغزاة بدأ بزيارة القاضى الفاضل، وكان بجوسق ابن الفراش بالشرف الأعلى في بستانه، فاستضاء برأيه فيما يريد أن يفعله، وكان لا يأتى أمرا إلا من بابه، وأقام عنده إلى الظهر ثم ودعه ورحل، وكانت مدة مقامه بدمشق خمسة أيام، فسلك على عين الجر والدلهمية والبقاع، وأتى بعلبك، وخيّم بمرج عدّوسه، ثم رحل على سمت اللبوة.
ثم أتى الدّراعة، ووصله الخبر بوصول عماد الدين زنكى بن مودود صاحب سنجار في جموعه وجنوده، ونزوله على بحيرة قدس من عمل حمص، فسار إليه، واجتمعا، ونزل السلطان وعماد الدين بالبحيرة، وعمل عماد الدين على البحيرة للسلطان دعوة، وعمل له السلطان دعوة، واجتمعا في الركوب والجلوس، وتأكد بينهما التصافى والمودة.
وأرسل السلطان إلى ابن أخيه الملك المظفر - صاحب حماة -، وولده الملك الظاهر [٣١٥]- صاحب حلب - فأمرهما بأن يجتمعا وينزلا بتيزين (١) قبالة أنطاكية لحفظ ذلك الجانب، ففعلا.
وأقام السلطان بالبحيرة إلى آخر ربيع الأول، ثم رحل في أول ربيع الآخر، وخيّم على تل قبالة حصن الأكراد، وشنّ الغارة على نواحى الحصن، وصافيتا، والعزيمة، وتلك الحصون، وفتح حصن يحمور، ولم تزل الإغارات والغنائم وهم في تلك المنزلة إلى آخر ربيع الآخر.
(١) تيزين، عرفها (ابن الشحنة: الدر المنتخب في تاريخ مملكة حلب، ص ٢٢٢) فقال إنها من مضافات أنطاكية من الحصون، وهى مدينة صغيرة قديمة كان لها سور قد تهدم، ولم تزل في أيدى المسلمين إلى أن استولت الفرنج على أنطاكية، ثم استعادها المسلمون منهم، وقصبتها الآن " أرتاح ".