للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما بلغ نور الدين - رحمه الله - توجّه الفرنج إلى مصر سار بالعسكر إلى طرف بلادهم ليمتنعوا عن المسير، فلم يمنعهم ذلك، لعلمهم أن الخطر في تملك أسد الدين مصر أكثر، فتركوا في بلادهم من يحفظها من نور الدين، وتوجّه ملك القدس في بقية عساكره إلى ديار مصر، واستعان بجمع كثير من الفرنج الذين كانوا قد وصلوا لزيارة البيت المقدس، فلما قارب الفرنج مصر قصد أسد الدين شيركوه مدينة بلبيس وأقام بها هو وعسكره، وتحصّن بها، واجتمعت العساكر المصرية والفرنج، ونازلوا بلبيس وحصروها، وحماها أسد الدين وعسكره ثلاثة شهور، مع أن سورها من طين، وليس لها خندق يحميها، وجدّ في قتالهم بكرة وعشية، فلم ينالوا منها غرضا.

[ذكر وقوع الصلح بين أسد الدين والمصريين والفرنج]

فبيناهم يجدّون في حصار بلبيس إذ أتاهم الجند بكثرة الفرنج على حارم، وتملك [٨٦] نور الدين لها، ومسيره بعد ذلك إلى بانياس لأخذها، فعظم ذلك عليهم، وخافوا على البلاد فراسلوا أسد الدين في الصلح وتسليم ما أخذه من البلاد إلى المصريين، ففعل ذلك، لأن الأقوات قلّت عليه، وعلم عجزه عن مقاومة الفريقين؛ فصالحهم، وخرج من بلبيس في ذى الحجة من هذه السنة، فذكر من شجاعته وشهامته التي لم يسمع بمثلها أن أصحابه خرجوا بين يديه، وخرج خلفهم وبيده لتّ (١) حديد، وهو يحمى ساقتهم، والمسلمون من المصريين، والفرنج، ينظرون إليه ويتعجبون منه، فأتاه إفرنجى من الغربا (٢)، وقال: «أما تخاف


(١) لفظ فارسى، وجمعه «لتوت»، ومعناه القدوم أو الفأس الكبيرة. انظر: (محيط المحيط) و (Dozy : Supp .Dict .Arab) .
(٢) يقصد أنه افرنجى من الوافدين من أورباء لا من الفرنج المستقرين في الشام.

<<  <  ج: ص:  >  >>