ثم رحل السلطان تاسع عشر شعبان ونزل بالرملة، ورحل منه ليلا وأصبح على تبنى، ثم رحل منها إلى عسقلان بعد العصر، وكان لما نزل أحضر أخاه الملك العادل وأكابر الأمراء، وشاورهم في تخريب عسقلان، فأشار علم الدين سليمان بن جندر بتخريبها للعجز عن حفظها، ووافقت الجماعة على ذلك، وقالوا:
" هذه يافا قد نزل العدو بها، وهى مدينة متوسطة بين عسقلان والقدس، ولا سبيل إلى حفظ المدينتين معا، فاعمد إلى أشرفهما فحصنه ".
فاقتضت الآراء إقامة الملك العادل بقرب يافا مع عشرة من الأمراء، حتى إذا تحوّل العدو كانوا منه على علم.
ولما نزل السلطان بعسقلان وعزم على خرابها اهتم لذلك وكثر حزنه.
قال القاضى بهاء الدين:
" ما نام تلك الليلة إلا قليلا، ولقد دعانى إلى خدمته سحرا، وكنت قد فارقته بعد مضى نصف الليل، فحضرت، وبدأنا الحديث في معنى خرابها، وأحضر ولده الملك الأفضل، وشاوره في ذلك، وطال الحديث، ولقد قال - رحمه الله -: والله لئن أفقد أولادى بأسرهم أحبّ إلىّ من أن أهدم منها حجرا واحدا، ولكن إذا قضى الله تعالى [٣٨٩] بذلك (١) وعرفته بحفظ مصلحة المسلمين طريقا، فكيف امتنع (١)؟ ".
ثم شرع في خرابها، ووضع أبراجها على الأمراء، ووقع الناس في الضجيج والبكاء، وكان بلدا خفيفا، محكم الأسوار، عظيم البناء، مرغوبا في سكناه،
(١) النص عند ابن شداد في: (الروضتين، ج ٢، ص ١٩٢): «وعينه لحفظ مصلحة المسلمين طريقا فكيف أصنع».