قطعة من رسالة بقلم العماد الأصفهانى، مرسلة من الملك الصالح إسماعيل إلى صلاح الدين، ينبئه بوفاة والده نور الدين ويعزيه فيه
عن:(الروضتين، ج ١، ص ٢٣٠)" ورد خبر من جانب العدو اللعين، عن المولى نور الدين، أعاذنا الله فيه من سماع المكروه، ونوّر بعافيته القلوب والوجوه؛ فاشتد به الأمر، وضاق به الصدر، وانقصم بحادثه الظهر، وعز فيه التثبت وأعوز الصبر، فإن كان - فللحوادث والعياذ بالله - قد تم، وخصه الحكم الذى عم، فللحوادث تدخر النصال، وللأيام تصطنع الرجال، وما رتّب الملوك ممالكها إلا لأولادها، ولا استودعت الأرض الكريمة البذر إلا لتؤدى حقها يوم حصادها، فالله الله أن تختلف القلوب والأيدى، فتبلغ الأعداء مرادها، وتعدم الآراء رشادها، وتنتقل النعم التي تعبت الأيام فيها إلى أن أعطت قيادها، فكونوا يدا واحدة، وأعضادا متساعدة، وقلوبا يجمعها ود، وسيوفا يضمها غمد، ولا تختلفوا فتنكلوا، ولا تنازعوا فتفشلوا، وقوموا على أمشاط الأرجل، ولا تأخذوا الأمر بأطراف الأنمل، فالعداوة محدقة بكم من كل مكان، والكفر مجتمع على الإيمان، ولهذا البيت منا ناصر لا نخذله، وقائم لا نسلمه، وقد كانت وصيته إلينا سبقت، ورسالته عندنا تحققت، بأن ولده القائم بالأمر، وسعد الدين كمشتكين الأتابك بين يديه، فإن كانت الوصية ظهرت وقبلت، والطاعة في الغيبة والحضور أديت وفعلت، وإلا فنحن لهذا الولد يد على من ناواه، وسيف على من عاداه، وإن أسفر الخبر عنه عن معافاه، فهو الغرض المطلوب والنذر الذى يحل على الأيدى والقلوب ".