لما تسلم الفرنج عكا لم يقفوا على الشرائط التي اشترطوها المسلمون، فاحتاطوا عليهم ومنعوهم من الخروج، ثم أخذوا أموالهم وحبسوهم، وعزم ملك افرنسيس على المسير إلى بلاده لأمر اختل عليه، فأخذ قسما من الأسارى، وسلّمهم إلى المركيس، ووكله في قبض نصيبه.
وخرج الفرنج يوم الخميس سلخ جمادى الآخرة من جانب البحر، وانتشروا بالمرج، ووصلوا إلى الآبار التي حفرها اليزك، وتواقعوا مع اليزك، وأمدهم السلطان، فكسرهم المسلمون، وألحقوهم بخنادقهم، ولم تزل الرسل تتردد بين السلطان وبينهم إلى يوم الجمعة تاسع رجب، فخرج حسام الدين حسين بن تازيك المهرانى، ومعه اثنان من أصحاب الانكلتير، فأخبر أن ملك الافرنسيس صار إلى صور، وذكروا شيئا من أمر الأسارى، وطلبوا أن يشاهدوا صليب الصلبوت، وأنه هل هو في العسكر أو حمل إلى بغداد، فأحضر صليب الصلبوت، فشاهدوه وعظموه، ورموا نفوسهم إلى الأرض، ومرغوا خدودهم على التراب، وذكروا أن الملوك قد أجابوا السلطان إلى أن يكون ما أوقع عليه القرار أن يدفع في نجوم ثلاث، كل نجم في شهر.
ولم تزل الرسل تتواتر في تحرير القاعدة حتى حصل لهم ما التمسوه من الأسارى والمال المختص بذلك النجم [٣٨٥] وهو: الصليب ومائة ألف دينار، وستمائة أسير، وأنفذوا ثقاتهم (١)، وشاهدوا الجميع ماعدا الأسارى المعينين من جانبهم، فإنهم لم يكونوا فرغوا من تعيينهم، ولم يكلموهم حتى يحصلوا، ولم يزالوا يطاولون ويقضون الزمان حتى انقضى النجم الأول في ثامن عشر رجب.
(١) كذا في الأصل، وعند ابن شداد - الأصل المنقول عنه هنا -: " نقباءهم ".