خطاب بقلم القاضى الفاضل مرسل من صلاح الدين إلى ديوان الخلافة ببغداد
عن:(القلقشندى: صبح الأعشى، ج ٦، ص ٥٠٤ - ٥٠٦)
أسعد الله عظماء الأملاك بالانتساب إلى الخدمة الشريفة النبوية، وأوزعهم ما أمرهم به من طاعتها، وخلّد ملك الديوان العزيز النبوى ما دامت الأفلاك قائمة، والنجوم ناجمة، ونقع بغمائمها غلل الآمال الحائمة، وفسّر بمكارمها حلم الأمانى الحالمة، ورتق بتدبيراتها المعصومة فتوق النّوب المتعاظمة، وأظهر على أيدى أوليائها معجزات نصرها، وصرّف الأيام والليالى بين المرضيين لله نهيها وأمرها، وأودع بركات السماء والأرض بمودعها ومستقرّها.
المملوك - وإن كان قد يسّر الله له مذ أطلقت عذبة لسانه، خدمة الدولة العباسية، فتفسّح في وسيع مآثرها، وتخيّر من بديع جواهرها، وامتاح من نمير زواخرها، فإنه لا يعتذر عن الحصر الذى اعتراه في وصف المنعم عليه به من الخطاب الشريف، الذى لولا أنّ عصمة الموالاة تثبّت فؤاده الخافق، وتسدّد لسانه الناطق، لما تعاطى وصف ما أعطاه من كتابه المرقوم، وسبق إليه من سحابه المركوم، فإنه مما يشفّ عنه الأمل ناكصا وهو كسير، وينقلب دونه البصر خاسئا وهو حسير، إلا أن الإنعام الشريف يبدأ الأولياء بما لو وكلهم إلى أمانيهم لتهيّبت أن تتعاطى حظيّته، ولو فوّضه إلى راحتهم، لنكلت عن أن تترقى