فزحف إليها بعساكره، وكشف الرجال عن سورها، وتقدم النقابون فنقبوا برجا وعلقوه، فسقط واتسع المكان لمن يريد أن يدخل من المقاتلة، واستمروا يومهم ذلك على الزحف من الغد، وحمى الفرنج موضع النقب بالرجال المقاتلة، ووقف في الثغرة رجال يحمونها عن من يصعد فيها.
قال القاضى بهاء الدين:
" ولقد شاهدتهم وكلما قتل منهم رجل قام غيره مقامه، وهم قيام عوض الجدار مكشوفين " واشتد الأمر فطلبوا الأمان، فأومنوا على أن يخرجوا بثياب أبدانهم، ويدعوا كل ما في الحصن من خيل وعدة وأثاث وقماش وذهب وفضة، واستمهلوا ثلاثة أيام ليراجعوا أهل أنطاكية، فأمهلوا حتى أخرجوا، وتسلم الحصن يوم الجمعة لثمان بقين من رجب.
[ذكر فتح بغراس]
ثم سار السلطان عن دربساك إلى قلعة بغراس بعد أن اختلف أصحابه في حصرها، فمنهم من أشار به، ومنهم من نهى عنه، فقال: " هو حصن، وقلعته منيعة بالقرب من أنطاكية، ويحتاج أن يكون أكثر العسكر يزكا في مقابلتها، وحينئذ يفشل المقاتلون على بغراص ويتعذر الوصول إليها، فاستخار السلطان الله تعالى، وسار إليها، [٣٢٤] وجعل أكثر العسكر في مقابلة أنطاكية يزكا يغيرون على أعمالها، وكانوا حذرين خوفا إن غفلوا لقربهم منها (كذا)
وبقى السلطان في بعض أصحابه يقاتل القلعة، ونصب عليها المنجنيقات، فلم تؤثر فيها شيئا لعلوها وارتفاعها، فغلب على الظن تعذر فتحها، وتأخر ملكها وشق على المسلمين قلة الماء عندهم، فبينما الناس على هذه الحال وإذا بباب القلعة قد فتح، وخرج منها إنسان يطلب الأمان ليحضر، فأذن له في الحضور، فحضر وطلب الأمان لمن في الحصن حتى يسلموه بما فيه على قاعدة دربساك فأجيبوا إلى ذلك.