(٢٠ ب) قلت (١): ذكر عماد الدين أمرا عجيبا أنا أستبعده والله تعالى أعلم بصحته. قال:
«كان قرار الملك العادل مع الملك العزيز أن يقيم الملك العزيز بدمشق، وأن يكون الملك العادل نائبا عنه بمصر، ويفوّض تدبيرها إليه، فلما ملك الملك العزيز دمشق، وظهرت الأمور، وانكشف المستور، ندم على ما كان قررّه مع عمه، فبعث إلى أخيه الملك الأفضل في السر، وقال:
«إذا طالبناك فاثبت على الامتناع، ولا تبذل الرضى لنا إلا بإقامة الخطبة والسكّة، ولا تنزل عن رتبتك، فإنى أقصد لك الرضا وأفعل ما تريد، ويكون امتناعك عذرا عند عمى».
فلما وصلت الرسالة بذلك إلى الملك الأفضل أظهر هذا السرّ لنصحائه المختصين؛ فقالوا:«لا تنخدع بهذا القول، فربما كان هذا خديعة من أخيك ليوقك، وهلا كان هذا القول منه قبل في أول الأمر؛ والمصلحة أن تطلع عمّك الملك العادل على هذا السر، فإنه كأبيك في الشفقة، وعلى كل حال لا يترك برّك، فإذا استشرته أشار عليك بالمصلحة، وقد جاء لك من السعادة ما لم يكن لك في حساب، فإن الملك العادل يحصل له باطلاعه على هذا الارتياب في الملك العزيز، وتتأكد نفاره منه».
فأرسل الملك الأفضل الحاجب جمال الدين محاسن بن عجم الموصلى إلى الملك
(١) هذا مثل آخر لمناقشة ابن واصل لآراء غيره من المؤرخين الذين ينقل عنهم.