ولما كان يوم الجمعة مستهل شعبان من هذه السنة، خرج الملك الظاهر غازى - صاحب حلب - لوداع أخيه الملك العزيز.
[قال عماد الدين الكاتب]
«وكنت خرجت في خدمة الملك العادل، فلما ظهر له موكب الملك الظاهر، تأخّر وعاد، فصحبت الملك الظاهر، وسرت في عراضه، فأشار علىّ بالسبق أحد حجابه، فسقت وسبقت، فلقيت الملك العزيز وقد ركب لتلقى أخيه، فوقف لى، وأبدى لى وجه البشاشة (١)، وهممت بالنزول فأبى، وهويت أقبّل يده فجذبها، وأحلى مساءلته ومسايرته وأعذبها، وعدت معه وأنا صاحبه ومجاوره ومحادثه، إلى أن لقى أخاه الملك الظاهر ورجع به إلى سرادقه، فنزلا ويده في يده، وجلس الملك العزيز والملك الظاهر إلى جانبه، وثافيت السيّدين، ونافثت القمرين، ثم أذن للخواص والأمراء والأعيان فدخلوا، ومدّ الخوان فأكلوا، ثم تفرق الملكان الأخوان بعد أن أهدى كلّ منهما للآخر أنواع الهدايا، ثم خرج الملك العادل لوداع الملك العزيز في خواصه، ثم خرج الملك الأفضل فودّع أخاه - وهو آخر من خرج - ولم يبق من الأكابر والملوك إلا من ودّعه، ثم رحل الملك العزيز من مرج الصّفر ثالث شعبان، وتوجه إلى الديار المصرية بعساكره».
(١) هذه معلومات هامة وطريفة عن علاقة العماد الكاتب بملوك بنى أيوب.