للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قال عماد الدين الكاتب]

«وكنت أنا ممن سيم (١) البعد، وسئم منه الود، وتفرّد الوزير بوزره، ومدّ الجزرىّ في جزره، ولأجل أهلى وأملاكى بدمشق لزمتنى الإقامة، وإلى قضاء الله فيها الاستنامة، وقيل للملك الأفضل: «هذا العماد، يتعذر عليه الاعتماد، فإنه لا يصبر على ما تعطيه، وغير ما كان له من أبيك يأباه ولا يرضيه، ونحن نكفيك أمر كفايته، ونبلغ لك أمد بلاغته، وأىّ حاجة لك إلى العبارة البارعة، والفصاحة الصادعة، والبلاغة البالغة، والأشغال الفارغة؟! وأمر الملك يتمشى بالكلام المفهوم، والخطاب المعلوم، ومن بقى يرغب في الغريب، ولا أرب فيه للأريب، ونحن نقوم لك بما لا غنى عنه من الكتابة، ولا نخطىء الغرض بالإصابة».

ومكث الملك الأفضل أشهرا للغنى عنى مظهرا، وبظاهر دعاوى أولئك الجماعة مستظهرا، وعملوا نسخ أيمان كان في عقودها حنثها، وفى عهودها نكثها، ولم يخف عن الملك الأفضل ما هو الأفضل، وأنه بمن لا حاصل له ولا طائل (٢) على طائل (٢) لا يتحصل، فاستدعانى وقال:

«مالك انقطعت عمن يصلك، وامتنعت عمّن بفضلك يعرفك ولا يجهلك؟».

فقلت: «شغلنى المصاب الصلاحىّ، عن إصابة صلاحى».

ولم يزل بخطابه يبجّلنى، وبعتابه يخجلنى، وبترغيبه يقربنى، وبتقريبه يرغّبنى، حتى عدت إلى قوله، وعذت بطوله، وأجرى لى ما جرى به جود


(١) في ك: «اختار».
(٢) هذان اللفظان ساقطان من (ك).

<<  <  ج: ص:  >  >>