ولم يزل السلطان مقيما بالقدس إلى الخامس والعشرين من شعبان من هذه السنة - أعنى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة - يرتب إخوته، وينظر في مصالحه، ويفرق الأموال.
فحكى عماد الدين الأصفهانى، قال:
" سمعت الملك [٣٠٦] العادل يقول - وقد جرى ذكر إفراط السلطان في العطاء -: أنا توليت استيفاء قطيعة القدس، فأنفذت إليه ليلة سبعين ألف دينار، فجاءنى رسوله بكرة وقال: يريد اليوم ما يخرجه في الإنفاق، فإن الذى سيّرت إلينا بالأمس قد نفدت، فنفذت إليه ثلاثين ألف دينار أخرى في الحال، فأنفقها ".
ثم وردت على السلطان كتب الأمير سيف الدين على بن أحمد المشطوب - وهو نائب السلطان بصيدا وبيروت - يحرضه على حصار صور، فرحل السلطان عن القدس يوم الجمعة لخمس بقين من شعبان متوجها إلى عكا، وقد سبقه إليها ولده الملك الأفضل نور الدين، وابن أخيه الملك المظفر تقى الدين؛ وودع السلطان الملك العزيز عماد الدين عثمان، ورده إلى الديار المصرية، وكان آخر عهده به.
وترك الملك العزيز خزانة سلاحه بالقدس كلّها، وكانت كثيرة جدا، وكان من جملة ما شرط على الفرنج أن يتركوا خيلهم وعدتهم فتوفر بذلك عدد البلد.
وتوجه مع السلطان أخوه الملك العادل، فوصلا إلى عكا مستهل شهر رمضان من السنة، فأصلح السلطان من شأنها، ثم رحل منها ونزل على صور يوم الجمعة