ورتب السلطان أيضا موضعا ملاصقا للأقصى خانقاه للصوفية، وقف عليها وقوفا جليلة، وجعل الكنيسة التي في شارع قمامة بيمارستان (١) للمرضى، ونقل إليه جميع ما يحتاج إليه، وفوّض ولاية القدس إلى عز الدين جرديك النورى، وفوّض القضاء والأوقاف إلى القاضى بهاء الدين بن شداد - رحمهم الله -.
[ذكر عزم السلطان على الحج ثم انتقاض عزمه]
ولما وقعت الهدنة صمم السلطان على الحج، وأمر أن يسير مائة نقّاب لتخريب عسقلان وإخراج من بها من الفرنج ليتفرغ سره من جانبها، ويحج في عامه [٤١٢] وكتب إلى مصر وإلى أخيه سيف الإسلام - صاحب اليمن - ما عزم عليه، وأمر أن يحمل له في المراكب كل ما يحتاج إليه من الأزواد والنفقات والخلع والكسوة، ثم فند السلطان في عزمه، وقال له أصحابه:
لا يمكن الحج إلا بعد أمر يكتب إلى الخليفة، وتعرفه ذلك، حتى لا يظن بك أمرا أنت عنه برىء، والوقت قد ضاق، وهذه البلاد والمعاقل ربما يخاف عليها عند غيبتك من غائلة العدو، ولا تغتر بالهدنة، فإن القوم دأبهم الغدر وإذا وجدوا مكنة فعلوا.
فانحل عزمه عن ذلك وافتر عنه.
[ذكر مسير السلطان إلى دمشق ووصوله إليها]
ثم رحل السلطان من القدس لخمس مضين من شوال، وهو يوم الخميس، ووصل يوم الجمعة إلى نابلس، فنزل بظاهرها، وبها صاحبها الأمير سيف الدين على
(١) قال ابن شداد (السيرة اليوسفية، ص ٢٤٢): «. . . وأمرنى بالمقام في القدس الشريف لعمارة بيمارستان أنشأه فيه، إدارة المدرسة التي أنشأها فيه إلى حين عوده»، أنظر أيضا: (الروضتين، ج ٢، ص ٢٠٨).