ومن عجيب الاتفاق أن هذه ست قلاع ومدن فتحت في ست جمع، وهى علامة قبول دعاء خطباء المسلمين وسعادة السلطان، حيث يسّر الفتوح في اليوم الذى تضاعف فيه الحسنات، ولم يتفق مثل هذا في تاريخ؛ وهى:
جبلة، واللاذقية، وصهيون، وبكاس، والشغر، وسرمانية.
ثم أنعم السلطان بالشغر وبكاس على الأمير غرس الدين قلج، وكان هذا قلج قد تسلم كفرديين - وهو معقل حصن الأرمن -، وكان هذا أميرا جليل القدر، وخلّف أولادا أكابر ثلاثة، وهم: شمس الدين، وسيف الدين، وعماد الدين؛ وكان شمس الدين أكبرهم، وله ميل إلى الفضيلة، وكذلك أخوه.
ثم أخذ منهم الملك الظاهر بعد موت السلطان الحصون، وأقطعهم أخبازا كثيرة بحلب، ثم فارق سيف الدين وأخوه عماد الدين حلب، وذلك بعد وفاة الملك الظاهر ووفاة أخيهما شمس الدين، وخدما الملك الكامل بن الملك العادل، ثم تقلبت بهما الأحوال، فقتل عماد الدين بالشرق، وأما سيف الدين فخدم الملك الناصر داوود بن الملك المعظم عيسى، فأقطعه عجلون، ثم سلمها بعد ذلك سيف الدين إلى الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملك الكامل، وتوفى سيف الدين بدمشق، وكانت له مشاركة في علوم وفضيلة وثاقب رأى عند ملوك بنى أيوب.
[ذكر فتح حصن برزية]
ثم سار السلطان جريدة إلى حصن برزية، وهو في غاية المنعة والقوة على سن جبل شاهق يضرب به المثل في جميع بلاد الفرنج والمسلمين، تحيط به أودية من سائر جوانبه، وذرع علو القلعة فكان خمسمائة ذراع ونيفا وسبعين ذراعا، ثم جرد عزمه على حصاره بعد رؤيته، فاستدعى الثقل، ونزل تحت جبل الحصن، ولما كان بكرة يوم الأحد لخمس بقين من جمادى الآخرة صعد السلطان جريدة مع