للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمانا ليصعد ويجتمع به، فصعد وخدم السلطان، وعفّر وجهه على الأرض بين يديه، وقال له:

" أنت سلطان عظيم قد شاع في الأرض عدلك، واشتهر فضلك وإحسانك، فلو مننت على هذه الطائفة الساحلية الخائفة لملكت قيادها، ولو أعدت عليها ما أخذته من البلاد صاروا لك عبيدا وأطاعوك، وإلا جاءك من وراء البحر في عدد الموج أفواجا فوجا بعد فوج، وسار إليك ملوك النصرانية من سائر الممالك، وأمر هؤلاء القوم أهون عليك من غيرهم، فاعطف عليهم واصفح ".

فقال له السلطان:

" قد أمرنا الله بالجهاد لأعداء الدين، وافترضه علينا، فنحن قائمون في طاعته بأداء ما افترض علينا من الجهاد، وهو الذى يقدرنا على فتح البلاد، ولو اجتمع علينا أهل الأرض لتوكلنا على الله تعالى ".

فصلّب الفرنجى على وجهه وعاد إلى مركبه.

[ذكر فتح صهيون]

ورحل السلطان من اللاذقية (٣١٩) قاصدا صهيون بعد أن سلمها إلى ابن أخيه الملك الظفر تقى الدين، فنزل على صهيون يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى، فاستدار العسكر بها من جميع نواحيها بكرة الأربعاء، ونصب عليها المناجيق، وهى قلعة حصينة منيعة شاهقة في الهواء، وهى في طرف جبل، وخنادقها أودية هائلة واسعة عميقة، وليس لها خندق محفور إلا من جانب واحد طوله ستون ذراعا، وهو نقر في حجر، ولها ثلاثة أسوار: سوران دون ربضها، وسور دون القلة (١) مع سور القلة.


(١) النص عند ابن شداد - وهو المرجع الذى ينقل عنه هنا - " دون القلعة وسور القلعة "، انظر: (الروضتين، ج ٢، ص ١٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>