وكان السلطان قد أمر بتعبئة بطشة عظيمة هائلة ببيروت، مشحونة بالآلات والأسلحة، والمير والرجال والمقاتلة، لتدخل إلى عكا، وكانت عدة المقاتلة بها ستمائة وخمسين رجلا، فوصلت إلى عكا في سادس عشر جمادى الأول، فاعترضها ملك الانكلتير في أربعين شانيا، فاحتاطوا بها من جميع جوانبها، واشتد القتال، فقتل من العدو عليها خلق عظيم، وأحرقوا من العدو شانيا كبيرا هلك أصحابه عن آخرهم، وتكاثر الفزع على أهل البطشة، وكان مقدم المقاتلة بها رجلا شجاعا يقال له " يعقوب " من أهل حلب، فلما رأى أمارة الغلبة قال:
" والله لا نقتل إلا عن عز، ولا نسلم إليهم من هذه البطشة شيئا ".
فوقع المسلمون في بطشتهم من جوانبها بالمعاول يهدمونها من كل جانب أبوابا، فامتلأت ماء، وغرق كل من بها من المسلمين، وهلك ما فيها من المير والآلات، ولم يظفر العدو منها بشئ أصلا وتلقف العدو بعض من كان فيها، وأخذوه إلى الشوانى من البحر، وخلصوه من الغرق ومثلوا به، وأنفذوه إلى البلد ليخبرهم بالواقعة، فحزن الناس لذلك حزنا شديدا.
ذكر الدبّابة التي صنعها العدو وإحراقها
وصنع العدو دبّابة عظيمة هائلة ذات [٣٧٧] أربع طبقات: الأولى من الخشب، والثانية من الرصاص، والثالثة من الحديد، والرابعة من النحاس، وكانت تعلو على السور، وتركب فيها المقاتلة، وخاف أهل البلد خوفا عظيما، وحدثتهم