أنه كان إذا اشتد الحرب يطوف بين الصفين ومعه صبى واحد، وعلى يده جيب، ويخرق العساكر من الميمنة إلى الميسرة يرتب الأطلاب، ويأمرهم بالوقوف في مواضع يراها.
ولقد قرئ عليه جزء من الحديث بين الصفين، وذلك أنى قلت له: قد سمع الحديث في جميع المواطن الشريفة، وما نقل أنه سمع بين الصفين، فإن رأى المولى أن يؤثر عنه ذلك كان حسا، فأذن فيه، فأحضر جزءا هناك مما له به سماع، فقرئ عليه، ونحن على ظهور الدواب بين الصفين، نمشى تارة ونقف أخرى.
ولقد انهزم المسلمون يوم المصاف الأكبر بمرج عكا حتى القلب ورجاله، ووقع الكوس والعلم، وهو ثابت القدم في نفر يسير، وقد انحاز إلى الجبل، فجمع الناس وردّهم وخجلهم حتى يرجعوا، ولم يزل كذلك حتى كثر المسلمون على العدو، وفى ذلك اليوم قتل منهم زهاء سبعة آلاف ما بين فارس وراجل، ولم يزل مصابرا لهم إلى أن صالحهم حين رأى ظهور ضعف المسلمين، ورأى المصلحة لهم في ذلك.
[وحكى من قوة عزمه على الجهاد وشغفه به قال]
" لما أخذ السلطان كوكب في ذى القعدة سنة أربع وثمانين وخمسمائة، وأعطى العساكر دستورا، وأخذ عسكر مصر في العود إلى مصر، وكان مقدمه أخاه الملك العادل، فسار ليودعه ويحظى بصلاة العيد في القدس، ففعل، ووقع له أن يمضى معهم إلى عسقلان ويودعهم، ثم يعود على طريق الساحل يتفقد البلاد الساحلية إلى عكا، ويرتب أحوالها، فأشاروا عليه ألا يفعل، فإن العساكر إذا فارقتنا نبقى في عدة يسيرة والفرنج كلهم بصور، وهذه مخاطرة عظيمة، فلم يلتفت، وودّع أخاه والعسكر بعسقلان، ثم سرنا على الساحل طالبين عكا،