[ذكر استيلاء الملك العادل نور الدين على قلعة جعبر]
كان السبب في تملك نور الدين لها أن صاحبها شهاب الدين مالك العقيلى نزل يتصيّد فأخذه بنو كلب أسيرا، فحملوه إلى نور الدين - رحمه الله - في رجب سنة ثلاث وستين وخمسمائة، فاعنقله وأحسن إليه، ورغّبه في المال والإقطاع ليسلم إليه القلعة، فلم يفعل، فعدل إلى الشدة والعنف وتهدده، فلم يفعل، فسير إليها نور الدين الأمير فخر الدين مسعود بن على بن الزعفرانى، فحصرها مدة، فلم يظفر بطائل، فأمدهم بعسكر، وجعل على الجميع مجد الدين أبا بكر بن الداية، فلم يحصل على غرض، فأخذ صاحبها بطريق اللين، وأشار عليه أن يأخذ عوضا عنها، فقبل ذلك، وتسلّمها، وتسلّم سرّوج وأعمالها، والملاحة التي في بلد حلب، وباب، وبزاعة (١)، وعشرين ألف دينار معجلة؛ وكانت قلعة جعبر بيد هؤلاء القوم من حين سلمها إليهم جلال الدولة ملكشاه، وقد ذكرناه في موضعه، وكان استيلاء نور الدين عليها سنة أربع وستين وخمسمائة.
ذكر مسير أسد الدين شيركوه إلى الديار المصرية
[٩٦] المسير الثالث
وكان السبب في ذلك أن الفرنج كانوا قد دخلوا ديار مصر مرتين، واطلعوا على عوراتها، وكان لهم بالقاهرة شحنة، وأبوابها مسلمة إليهم، وبالقاهرة جماعة من شجعانهم وأعيان فرسانهم، فحكموا على المسلمين حكما جائرا، وركبوهم بالأذى الشديد، فلما رأوا تمكنهم من البلاد، وأنه ليس بها راد ولا عن أخذها صاد كاتب
(١) جاء في (ابن الشحنة: الدر المنتخب، ص ١٧٢) أن «الباب» و «بزاعة» قريتان عظيمتان بل مدينتان صغيرتان في كل واحدة منهما منبر وخطيب، وهما من أعمال حلب، أما الباب فهى أكثر عمارة من بزاعة.