وكان سيف الدين محمود شهما شجاعا يرجع إلى دين وعبادة، فأقام على كوكب إلى آخر شوال، وكان أصحابه يحرسون نوبا مرتبة، فلما كان آخر ليلة من شوال غفل الذين كانت نوبتهم في الحراسة، وكان قد صلى ورده من الليل إلى السحر، وكانت ليلة باردة ذات رعد وبرق وريح ومطر، فلم يشعروا إلا والفرنج قد خالطوهم بالسيوف، ووضعوا السلاح فيهم، فاستشهد سيف الدين وأصحابه، وأخذ الفرنج ما كان عندهم من طعام وسلاح وغيره، وعادوا إلى قلعتهم، فتقووا في ذلك قوة عظيمة، وأتى الخبر بذلك إلى السلطان عند رحيله من صور، فعظم ذلك عليه، مضافا إلى ما ناله من أخذ الشوانى وما فيها، ورحيله من صور.
ثم رتّب على حصار كوكب الأمير صارم الدين قايماز النجمى في جماعة من الأجناد.
[ذكر فتح هونين]
[٣٠٩] كان السلطان لما فتح تبنين امتنعت عليه هونين، وهى من أحصن القلاع وأمنعها، فلم ير التعريج عليها، ولا الاشتغال بمحاصرتها، بل سيّر إليها جماعة من الأمراء والعسكر، فحصروها، ومنعوا من حمل الميرة إليها، فلما كان السلطان على محاصرة صور أرسل من بها يطلب الأمان فأمّنهم، فسلموا هونين إلى السلطان، ونزلوا منها، فأمّنهم.
وأقام السلطان بظاهر عكا، ينظر في أمورها، ودخلها وسكن قلعتها، وسكن ولده الملك الأفضل ببرج الداويّة، وولى عكا عز الدين جرديك، ووقف دار الاسبتار نصفين: نصفا على الفقهاء، ونصفا على الصوفية، ووقف دار الأسقف بيمارستان، ووقف على ذلك وقوفا جليلة، وفوّض جميع ذلك إلى قاضيها كمال الدين بن الشيخ أبى النجيب.