إلى غربى النهر، فأنهض السلطان إليهم الجاليشية، فأثخنوا فيهم الضرب باللتوت والدبابيس والنشاب والرماح، وجرى بين الجاليشين من الجانبين قتال كثير، وباتوا ليلة الأربعاء، وأصبحوا يوم الأربعاء ثالث عشر شوال فركبوا، ووقفوا على صهوات خيولهم إلى ضحوة النهار، والراجل محدق بهم كالأسوار، وقد قربت العساكر الإسلامية حتى كادت تخالطهم، والرمى بالنشاب متصل، وهم ثابتون لا يتزلزلون، ولما أحسوا بالعجز والضعف نكصوا على أعقابهم عائدين على هيئة الاجتماع، والنهر عن يمنيهم، والبحر من يسارهم، والمسلمون حولهم يرمونهم بالنشاب ويقاتلونهم، وكلما صرع منهم قتيل حملوه وسيروه، ونزلوا ليلة الخميس على جرد عوف، وقطعوا الجسر ليلا لئلا يتعدوا المسلمون إليهم.
وقاتل أياز الطويل وسيف الدين باركوج (١) في هذا اليوم قتالا عظيما، وأبليا بلاء حسنا، ثم رجع العدو إلى مخيمه، ورجع المسلمون إلى مخيمهم ظافرين منصورين، وأعيد الثقل [٣٧٢] إلى مكانه.
[ذكر وقعة الكمين ودخول البدل إلى عكا]
و [لما] كان يوم الجمعة الثانى والعشرون من شوال انتخب السلطان من أجناده عدة وأمرهم أن يكمنوا في سفح تل هو شمالى عكا بقرب المنزلة العادلية القديمة عند الساحل، فكمنوا تلك الليلة، فلما أصبح الصباح ركب منهم عدة يسيرة، وساروا نحو الفرنج، وصالوا عليهم، وأغاروا، فاستقبلوهم الفرنج، فخرج إليهم زهاء أربعمائة فارس، وقيل مائتا فارس، وطمعوا في المسلمين، وتأخروا قليلا قليلا حتى أوصلوهم إلى الكمين، وخرجوا عليهم فقتلوهم وأسروهم، وأستولوا عليهم بأسرهم، فلم ينج منهم ناج، ووقع في الأسر مقدمون أكابر، منهم خازن الملك وجماعة من الأفرنسيسية.
(١) كذا في الأصل، وهو في (الروضتين، ج ٢، ص ١٨٠): " يازكوج ".