فأجابه مرّى إلى الصلح على ألف ألف دينار، يعجل البعض ويؤخر الباقى؛ ورأى الفرنج أن المصلحة في ذلك لئلا يتدارك نور الدين البلاد ويأخذها، فعجّل لهم شاور مائة ألف دينار، وماطل بالباقى خداعا ومكرا، وسيّر الكتب إلى نور الدين مسوّدة وفى طيها ذوائب نساء أهل القصر مجزوزة، وواصل الكتب إليه مستفزا ومستنصرا، ويقول:«إن لم تبادر ذهبت البلاد»، وأرسلها مع نجابين - يتلو بعضهم بعضا - وأقام منتظرا ما يرد عليه من نور الدين، وهو مع ذلك يدافع الفرنج ويماطلهم.
ووردت مكاتبة العاضد لدين الله إلى نور الدين في هذا المعنى، وبذل له - إن وصل - ثلث البلاد، وأن يكون أسد الدين شيركوه مقيما عنده في عسكر، وإقطاعهم عليه خارجا عن الثلث الذى لنور الدين.
ولما وردت الرسل إلى نور الدين بذلك كان بحلب، فأرسل إلى أسد الدين شيركوه - وكان بحمص، وهى إقطاعه - يستدعيه، فلما خرج القاصد من حلب متوجها إلى أسد الدين وجده قد وصل إلى حلب، لأنه كان أيضا قد أتته كتب المصريين يحثّونه على سرعة الوصول إليهم، فلحرص أسد الدين على التجهز إلى الديار المصرية سار من حمص إلى حلب، فوصلوا في ليلة واحدة، فأمره نور الدين بالتجهيز [٩٨] إلى مصر والسرعة في ذلك، وأعطاه مائتى ألف دينار سوى الثياب والدواب والآلات والأسلحة، وحكّمه في العساكر والخزائن، فاختار من العسكر ألفى فارس، وجمع من التركمان ستة آلاف فارس.