وندب الملك العادل نور الدين صلاح الدين أبا المظفر يوسف بن أيوب ابن شاذى أن يمضى مع عمه إلى الديار المصرية، فكره ذلك صلاح الدين، فروى عنه القاضى بهاء الدين بن شداد - قاضى حلب رحمه الله - قال: لقد قال لى السلطان - يعنى صلاح الدين - «كنت أكره الناس في الخروج في هذه الوقعة، وما خرجت مع عمى باختيارى»، قال: وهذا معنى قوله سبحانه {وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}.
قال عز الدين بن الأثير - رحمه الله - في تاريخه الأصل:«أحب نور الدين مسير صلاح الدين، وفيه ذهاب بيته؛ وكره صلاح الدين المسير، وفيه سعادته وملكه» قال: «فلقد حكى لى صلاح الدين، قال: لما وردت الكتب من مصر إلى الملك العادل نور الدين - رحمه الله - أحضرنى وأعلمنى الحال، وقال: تمضى إلى عمك أسد الدين بحمص مع رسول إليه تأمره بالحضور، وتحثّه أنت على الإسراع، فما يحتمل الأمر التأخير.
قال: ففعلت، فلما فارقت حلب، على ميل منها، لقيناه قادما في هذا المعنى، فقال له نور الدين: تجهّز للمسير؛ فامتنع خوفا من غدرهم أولا وعدم ما ينفقه في العساكر ثانيا؛ فأعطاه نور الدين الأموال والرجال، وقال له: إن تأخرت عن المسير إلى مصر، فالمصلحة تقتضى أن أسير أنا بنفسى إليها، فإننا إن أهملنا أمرها ملكها الفرنج، ولا يبقى معهم مقام بالشام ولا غيره؛ قال: فالتفت إلىّ عمى أسد الدين وقال: تجهّز يا يوسف؛ قال: فكأنما ضرب قلبى بسكين؛ فقلت: والله لو أعطيت ملك مصر ما سرت إليها، فلقد قاسيت بالاسكندرية من المشاق بها ما لا أنساه أبدا؛ فقال عمى لنور الدين: لا بد من مسيره معى، فترسم له، فأمرنى نور الدين وأنا استقيله؛ فانقضى المجلس، ثم جمع أسد الدين العساكر