للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضى بهاء الدين بن شداد - رحمه الله -:

" فعاد إلى خيمته فرحا مسرورا، وحضرنا عنده للهناء بما جرى، ومد الطعام، وحضر الناس، وأكلوا على عاداتهم، ورتّب على البرجين الباقيين الحصار، فسلم أحدهما إلى مظفر الدين، فما زال [٣١٦] يحاصره حتى أخربه، وأخذ من كان فيه، وأمر السلطان باخراب سور البلد، وقسّمه على الأمراء.

وكان البرج الآخر حصينا منيعا مبنيا بالحجر النحيت، وقد اجتمع من كان فيها من الخيّالة فيه، وخندقه فيه الماء، وفيه جروخ (١) كثيرة تجرح الناس على بعد، فرأى السلطان تأخير أمره، والاشتغال بما هو أيسر منه، واشتد في خراب السور حتى أتى عليه، وخرب البيعة، وهى بيعة عظيمة يحجونها من سائر البلاد، وأمر بوضع النار في البلد، وأحرق جميعه، والأصوات مرتفعة بالتهليل، وأقام يخرّب البلد إلى رابع عشر جمادى الأول.

ثم سار يريد جبلة، فالتقاه ولده الملك الظاهر في أثناء الطريق، ومعه العسكر التي كانت بتيزين (٢)، ونزل السلطان على مرقية، وقد أخلاها سكانها، فخيّم بها، وكانت الطريق إلى جبلة على الساحل ضيقة المسلك، وهناك حصن للاسبتار يقال له المرقب، مأهول معمور، ولا طريق إلا تحته.

وكان ملك صقلية لما بلغه ماتم على الفرنج بالشام جهّز أسطولا يشتمل على ستين قطعة، وقدم عليها رجلا يقال له المرعريط، فوصل وما ضرّ ولا نفع، فإن فرنج الساحل لم يرفعوا به رأسا، وضجروا منه، فإنه كان في عشرة آلاف رجل، ويحتاجون إلى ميرة وكلف كثيرة، فصار إلى مدينة صور، ثم رجع إلى طرابلس، وتردد أشهرا في البحر، فلما سمع بعبور عسكر المسلمين على الساحل


(١) انظر ما فات هنا، ص ١٥٠، هامش ٣
(٢) انظر ما فات هنا، ص ٢٤٤، هامش ١

<<  <  ج: ص:  >  >>