للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك، ولما دخل التابوت (١) أغلقت الأبواب وسمع الناس الصراخ العظيم من داخل التربة، فيقال إن ذلك كان صوت الخليفة.

ودامت عليه المناحات في أقطار بغداد ليلا ونهارا أياما، فلم يبق في بغداد محلة إلا وفيها النوح، ولم تبق امرأة إلا وأظهرت الحزن [الشديد] (٢) ولم يسمع ببغداد مثل ذلك في قديم الزمان ولا حديثه.

ولما سمعت الملوك بموته جلسوا في العزاء له لابسين شعار الحزن خدمة للخليفة، ورثته الشعراء فأكثروا؛ فممن رثاه شرف الدين بن راجح بن اسماعيل الحلّى عند ما عمل الملك الظاهر غازى - صاحب حلب - عزاءه بقصيدة مطلعها:

أكذا يهدّ الدهر أطواد الهدى ... ويردّ بالنكبات شاردة الرّدى؟!

(٦٣ ب)

أكذا تعيب النيّرات وينطفى ... ما كان من أنوارها متوقّدا؟!

يا للرجال لنكبة نبوبة ... طوت العلى قلبا عليها مكمّدا

ولخطة شنعاء لاحظها الهدى ... دامى الجفون فغضّ جفنا أرمدا

لو كنت بالشهباء يوم تواترت ... أنباؤها لرأيت يوما أسودا

يوما تزاحمت الملائكة العلى ... فيه فعزّت عن علىّ أحمدا

قصدت أمير المؤمنين رزية ... عادات وقع سهامها أن تقصدا

هى ضعضت شمّ الجبال وأخضعت ... من لم يكن لمذلة متعوّدا

شنّت على حرم الخليفة (٣) غارة ... شعواء غادرت الفخار مطرّدا

فسقى أبا حسن ثراك صنائع ... لك ليس تبرح غاديات عوّدا


(١) (س): «ولما أدخل التابوت إلى التربة».
(٢) ما بين الحاصرتين زيادة عن (ك) و (س).
(٣) (ك): «الخلافة».

<<  <  ج: ص:  >  >>