وأحسن صحابته - يتوجه بعد الاستخارة، ويقصد دار السلام، والخطّة التي هى عشّ بيضة الإسلام؛ ومجتمع رجاء الرجال، ومتسع رحاب الرّحال؛ فإذا نظر تلك الدار الدارّ سحابها، وشافه بالنظر معالم ذلك الحرم المحرّم خطابها؛ ووقف أمام تلك المواقف التي تحسد الأرجل عليها الرءوس، وقام بتلك المنازل التي تنافس الأجسام فيها النفوس، فلو استطاعت لزارت الأرواح محرمة من أجسادها، وطافت بكعبتها متجردة من أغمادها، فليمطر الأرض هناك عنّا قبلا تخضّلها، بأعداد لا نحصّلها؛ وليسلّم عليها سلاما نعتدّه من شعائر الدين اللازمة، وسنن الإسلام القائمة، وليورد عنا تحيّة يستنزلها من عند الله تحية مباركة طيّبة، وصلاة تخترق أنوارها الأستار المحجّبة، وليصافح عنّا بوجهه صفحة الثّرى، وليستشرف عنا بنظره فقد ظفر بصباح السّرى، وليستلم الأركان الشريفة، فإن الدّين إليها مستند، وليستدم الملاحظات اللطيفة، فإن النور منها مستمدّ، وإذا قضى التسليم وحقّ اللقاء، واستدعى الإخلاص جهد الدعاء، فليعد وليعد حوادث ما كانت حديثا يفترى، وجوارى أمور إن قال منها كثيرا فأكثر منه ما جرى، وليشرح صدرا منها لعله يشرح منا صدرا، وليوضّح الأحوال المستسرة فإنّ الله لا يعبد سرّا:
ومن الغرائب أن تسير غرائب ... في الأرض لم يعلم بها المأمول
كالعيس أقتل ما يكون لها الظّما ... والماء فوق ظهورها محمول
فإنا كنا نقتبس النار بأيدينا، وغيرنا يستنير، ونستنبط الماء بأيدنا، وغيرنا يستمير، ونلقى السّهام بنحورنا، وغيرنا يغيّر التصوير، ونصافح الصّفاح بصدورنا، وغيرنا يدّعى التصدير، ولا بدّ أن نستردّ بضاعتنا، بموقف العدل الذى تردّ به الغصوب، ونظهر ظاعتنا، فنأخذ بحظّ الألسنة كما أخذنا بحظّ القلوب، وما كان العائق إلا أنّا كنا ننظر ابتداء من الجانب الشريف بالنعمة،