المرهوبة؛ وما منهم الآن إلا من يجلب إلى بلدنا آلة قتاله وجهاده، ويتقرب إلينا بإهداء طرائف أعماله وبلاده، وكلهم قد قررت معه المواصفة، وانتظمت معه المسالمة؛ على ما نريد ويكرهون، ونؤثر ولا يؤثرون.
ولما قضى الله بالوفاة النورية، وكنا في تلك السنة على نية الغزو، والعساكر قد ظهرت، والمضارب قد برزت، ونزل الفرنج بانياس وأشرفوا على احتيازها، ورأوها فرصة مدوا إليها يد انتهازها، استصرخ بنا صاحبها للمانعة، واستنهضنا لتفريج الكرب الواقعة؛ فسرنا مراحل اتصل بالعدو أمرها، وعوجل بالهدنة الدمشقية التي لولا مسيرنا ما انتظم حكمها ولا قبل كثيرها ولا قليلها؛ ثم عدنا إلى البلاد فتوافت إلينا الأخبار بما الدولة النورية عليه من تشعب الآراء وتوزعها، وتشتت الأمور وتقطعها؛ وأنّ كل قلعة قد حصل فيها صاحب، وكل جانب قد طمح إليه طالب، والفرنج قد بنوا بلادا يتحيّفون بها الأطراف الإسلامية، ويضايقون بها البلاد الشامية، وأمراء الدولة قد سجن أكابرهم وعوقبوا وصودروا، والمماليك الذين للمتوفى أغرار خلقوا للأطراف لا للصدور، وجعلوا للقيام لا للجلوس في المحفل المحصور، وقد مدّوا الأعين والأيدى والسيوف، وساءت سيرتهم في الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف، وكلّ واحد يتخذ عند الفرنج يدا، ويجعلهم لظهره سندا ويرفع عنهم ذخيرة كانت للإسلام، ويفرج لهم عن أسير من أكابر الكفار كان مقامه مما يدفع شرا، ولا يزيد نار الكفر جمرا، وإطلاقه يجلب قطيعة تقوى إسلاما وتضعف كفرا، فكثرت إلينا مكاتبات أهل الآراء الصائبة، ونظرنا للاسلام ولنا ولبلاد الإسلام في العاقبة.
وعرفنا أن البيت المقدس إن لم تتيسر الأسباب لفتحه. وأمر الكفر إن لم يجرد العزم في قلعه، وإلا ثبتت عروقه، واتسعت على أهل الدين خروقه؛