والبساط المقبّل بطول استلامه، والستر الذى أسبله الله على العباد بتحيته وسلامه؛ وينهى أنه آخر الخدم عن أن ينتظم الأوقات المتجددة، ويقتضب الحالات المتجردة، والرسل عن أن تتوارد دراكا، وتتوالى وشاكا؛ والإنهاءات عن أن تثبت بالمقامات الشريفة النبوية، ومجالس العرض العليّة؛ ما انتهت إليه الأقدار، وما أفضى إليه من كثير المناجح وقليل الأعذار؛ فإن أدب الأمالى عن المطالعة كالصوم لا يفضّ ختامه، ولا يحلّ نظامه إلا بعيد يطلع هلاله مبشرا، ويبثّ خبره في الآفاق معطّرا، فلو أن متكلفا أفطر قبل موعده، وورد الماء قبل مورده، لكان مفسدا لعقده، ناكثا لعهده.
كذلك المملوك أمسك حين كانت الأخبار بجانبه مشتبهة، والحقائق لديه غير متوجّهة، فإن طاغيتى الكفر بقسطنطينية وصقلية كانا قد أو قدا للحرب نارا، ورفعا لها أوزارا، واتخذا لها أسطولا جاريا وعسكرا جرارا، وتباريا ولم يزد الله الظالمين إلا تبارا؛ وكتبا إلى الفرنج بعد انهزامهم بالنجدة والنصرة، وتضمنا لهم الخروج والكره، ويصفان ما استعدا به بما لا يعبر عنه إلا بالكثرة، واستطارت الشناعة وتداولتها الألسن، وخرجت من الأفواه حتى لقد كادت تدخل فيما رأته الأعين، وورد إلى المملوك رسول من طاغية القسطنطينية، وهو أقدم ملوك النصرانية قدما وأكثرهم ما لا منتمى، فعرض عليه موادعة يكون بها عسكره مودعا، ويكون له بها مفزعا، له ولصاحب صقلية الذى زعم أنه أصل للشريكون الشر منه مفرّعا؛ فلم. . . ولم يجب إلى السلم، ولم يزعه أن عسكره - خذله الله - مبار في البرّ وفى اليمّ، إن شاء الله تعالى.