- أسماه الله - يعلم أنّ الفرنج لا يسلون عما فتحنا، ولا يصبرون على ما جرحنا؛ فإنّهم - خذلهم الله - أمم لا تحصى، وجيوش لا تستقصى؛ ووراءهم من ملوك البحر من يأخذ كلّ سفينة غصبا، ويطمع في كلّ مدينة كسبا، ويد الله فوق أيديهم، والله محيط بأقر بيهم وأبعديهم؛ و {سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً.} ({لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً.}
وما هم إلا كلاب قد تعاوت، وشياطين قد تغاوت، وإن لم يقذفوا من كلّ جانب دحورا، ويتبعوا بكلّ شهاب ثاقب مدحورا؛ استأسدوا واستكلبوا، وتألّبوا وجلّبوا وأجلبوا، وحاربوا، وخرّبوا؛ وكانوا لباطلهم الدّاحض، أنصر منّا لحقنا الناهض؛ وفى ضلالهم الفاضح، أبصر منّا لهدانا الواضح؛ ولله درّ جرير حيث يقول:
إنّ الكريمة ينصر الكرم ابنها ... وابن اللّئيمة للّئام نصور
فالبدار إلى النجدة البدار، والمسارعة إلى الجنّة فإنها لن تنال إلا بإيقاد نار الحرب على أهل النار، والهمّة الهمّة فإن البحار لا تلقى إلا بالبحار، والملوك الكبار لا يقف في وجوهها إلا الملوك الكبار.
وما هى إلا نهضة تورث العلا ... ليومك ما حنّت روازم نيب
ونحن في هذه السنة - إن شاء الله تعالى - ننزل على أنطاكية، وينزل ولدنا الملك المظفّر - أظفره الله - على طرابلس؛ ويستقرّ الرّكاب العادلىّ - أعلاه الله - بمصر فإنها مذكورة عند العدوّ - خذله الله - بأنها تطرق، وأنّ الطلب على الشام ومصر تفرّق؛ ولا غنى عن أن يكون المجلس السيفى - أسماء الله - بحرا في بلاد الساحل يزخر سلاحا، ويجرّد سيفا يكون على ما فتحناه قفلا ولما لم يفتح بعد مفتاحا؛ فإنه ليس لأحد ما للأخ