عمرا نوحيّا إلى أن لا يذر على الأرض من الكافرين ديّارا، وإلى أن يورث الإسلام بسيفه منهم أرضا ومالا وديارا؛ وهذه مخايل لا يخلف الله بارقتها، بل يردّ إلى جهة الكفر صاعقتها؛ فما يحسب المملوك أنّ جانبا يتلوّى على طاعة مولانا ولا ينحرف، ولا أنّ كلمة عليه بعد اليوم تختلف، ولا أنّ ممتنعا بالأمس يكون معه اليوم إلا أن يرضى عنه مولانا وعليه ينعطف.
وعلى هذا فالشام الفرنجىّ متأخّذ بجناح إلى الأخذ وبقية عمر المؤمن كما قال - صلى الله عليه وسلم - لا ثمن لها، والفرص تمرّ مرّ السحاب، والمستعاذ بالله من حسرات الفوت بعد الإمكان {(وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ)}، وما يشخص لخطاب الله تعالى بالجهاد إلا مولانا، النية خالصة، والبصيرة ثاقبة، والعزيمة ماضية؛ والشجاعة منحة من الله له موهوبة، والسماحة خليفة من خلائقه الكريمة موجودة؛ والرجال تطأ عقبيه، والملوك تطيع أمره، والشّجعان تبذل أنفسهم بين يديه، والعدوّ يعرف منه خصما طالما خاطبه بلسان السيف منه إليه، وليس كلّ من قدر عليه أراده. وعكّا أقرب من (خلاط) وأنفع المسلمين فتحا، وأعظم في الكفّار قدحا؛ فو الله لئن انغلق باب الشام في وجه الكفر، لتنقطعنّ آمال أهل البحر والبرّ، وما دام في الشام بقية من الكفر فهو يقبل الزّيادة، وينتظر النّجدة ويؤمّل الاستعادة؛ وما كررّ المملوك هذا الحديث جهلا بما يجب في خدمة الملوك من الأدب في أن لا يتكلّم في القضية إلا من استشير فيها، ولا يجترئ على الكلام إلا إذا كان مجيبا بما يؤمر بالإجابة عنه، ولكن المملوك غلب على الصّحبة، وانقطع عن الخدمة؛ وعلم أنه لو كان حاضرا لكان مولانا يبسطه ولا يقبضه، ويستشفّ ما عنده ويستعرضه، ويشفّع قلبه في لسانه إذا هفا، ويحمله على صفاء ضميره فيما يقوله فلا يقابل