للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقاتلونهم أشد قتال ويمانعونهم، وصبروا صبرا لم ير مثله، وقلّت عندهم الأقوات وغلت الأسعار.

ولما رتب الملك المعظم القواعد بمصر عاد إلى بلاده، واستمر الملك الكامل إلى آخر هذه السنة محاربا للفرنج منازلا لهم، وهم محاربون لأهل دمياط منازلون لهم محدقون بدمياط، حائلون بينها وبين عساكر المسلمين، على ما كانت عليه الحال بعكا في أيام السلطان الملك الناصر صلاح الدين.

وكان الذى يدخل إلى دمياط من أصحاب الملك الكامل إنما يدخل عليهم بمخاطرة عظيمة، بأن يسبح في بحر النيل، وهو مملوء من مراكب العدو وشوانيهم. وكان عند السلطان جاندار (١) يسمى شمايل (٢) من أهل قرية من قرى حماه تسمى معرذفتين (٣)، كان من فلاحى هذه القرية، فوصل إلى أن خدم في الركاب السلطانى جاندارا. وكانت عنده قوة نفس وشهامة، فكان يخاطر بنفسه ويسبح في النيل ومراكب الفرنج به محيطة [٧٨ ب] ويدخل إلى دمياط فيقوى قلوب أهلها عن السلطان، ويعدهم وصول النجد لإزاحة العدو عنهم، ثم يأتى السلطان سباحة ويعلمه بأخبار أهلها. فحظى بذلك عند السلطان


(١) الجاندار كلمة مركبة من لفظين فارسيين أحدهما جان ومعناه سلاح، والثانى دار ومعناه ممسك. وموضوع وظيفة الجاندارية أن متوليها يستأذن السلطان قبل دخول الأمراء للخدمة، ويدخل أمامهم إلى الديوان، انظر القلقشندى (صبح، ج ٤، ص ٢٠)؛ المقريزى، السلوك، ج ١، ص ١٣٣، حاشية ١، (Sobernheim,article Djandar in E .I).
(٢) هو الأمير علم الدين شمايل الذى نسبت إليه - فيما بعد - خزانة شمايل أشهر سجون العصر المملوكى الذى كان مأوى لمن وجب عليه القتل من اللصوص وقطاع الطريق وأصحاب الجرائم العظيمة ومن أراد السلطان إهلاكه. انظر المقريزى، الخطط، ج ٢، ص ١٨٨؛ زيادة، «السجون في مصر في العصور الوسطى»، مجلة الثقافة (١٩٤٣ - ١٩٤٤).
(٣) في الأصل «معرذفش» ومعرذفتين قرية تبعد مسافة ٦ كيلو مترا غربى مدينة حماه وما زالت تحمل نفس الأسم حتى الآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>