للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوما يصل إليهم فيه، وسار في عساكره إلى الرها، فملك البلد، وعصت عليه القلعة بمن فيها من المسلمين، فقاتلهم، وبلغ ذلك ثور الدين - رحمه الله - وهو بحلب، فسار مجدا إليها بعسكره، فلما قاربها خرج جوسلين منها هاربا إلى بلده، ودخل نور الدين المدينة فنهبها وسبى أهلها (١)، فخلت منهم ولم يبق بها إلا القليل، ولما بلغ خبر الفرنج إلى سيف الدين بالموصل (٢) جهّز العساكر إلى الرّها فوصلت وقد ملكها نور الدين، فبقيت في يده، ولم يعارضه فيها أخوه سيف الدين.

وفى هذه السنة رحل الأمير سيف الدين إلى الشام، وكان أخوه نور الدين قد خافه واستشعر منه، وأخوه سيف الدين يكاتبه ويستميله، فلما وصل سيف الدين إلى الشام استقرت القاعدة بينهما على أن يجتمعا خارج العسكر السيفى، ومع كل واحد منهما خمسمائة فارس، فلما كان يوم الميعاد سار نور الدين من حلب في خمسمائة فارس، وسار سيف الدين من معسكره في خمسة فوارس، فلم يعرف نور الدين سيف الدين حتى قرب منه، فحين عرفه ترجّل له، وقبّل الأرض بين يديه، وأمر أصحابه بالعود عنه، فعادوا، وقعد سيف الدين ونور الدين بعد أن اعتنقا وبكيا، فقال له سيف الدين: «لم امتنعت من المجئ إلىّ، كنت تخافنى على نفسك؟ [٦٦] والله ما خطر ببالى ما تكره (٣)، فلمن أريد البلاد، ومع من أعيش، وبمن اعتضد، إذا فعلت السوء مع أخى وأحب الناس إلىّ؟» فاطمأن نور الدين،


(١) كذا في الأصل، وفى س (١١١ ب): «فنهبها وقتل رجالها من الأرمن، وسبا نساها».
(٢) إلى هنا تنتهى (ص ١١١ ب) من نسخة س، وبانتهائها تضطرب الصفحات مرة أخرى في تلك النسخة، وتنقطع الصلة بين (ص ١١١ ب) و (ص ١١٢ ا) وبالتالى بين النص هنا وبينه هناك في تلك النسخة.
(٣) في الأصل: «تذكره» والتصحيح عن: (الروضتين، ج ١، ص ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>