للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حلف السلطان الملك الكامل على ما وقع الاتفاق عليه، وحلف الأنبراطور، وعقدوا عقد الهدنة مدة معلومة، وانتظم بينهم الأمر، وأمن كل من الفريقين صاحبه. وبلغنى أن الأنبرطور قال للأمير فخر الدين: «لولا أنى أخاف انكسار جاهى عند الفرنج، لما كلفت السلطان شيئا من ذلك، وما لى غرض في القدس ولا غيره وإنما قصدت حفظ ناموسى عندهم (١)».

ولما وقعت الهدنة بعث السلطان من نادى في القدس بخروج المسلمين، وتسليمه إلى الفرنج، فحكى لى والدى رحمه الله - وكان لما وقعت هذه الواقعة بالقدس الشريف قد وصل إليه من مكة حرسها الله فإنه كان جاور فيها السنة الماضية، وكنت قد سافرت إلى دمشق في السنة الماضية، وأقمت بدمشق - قال: لما نودى بالقدس بخروج المسلمين، وتسليم القدس إلى الفرنج، وقع في أهل القدس الضجيج والبكاء، وعظم ذلك على المسلمين، وحزنوا لخروج القدس من أيديهم. وأنكروا على الملك الكامل هذا الفعل، واستشنعوه منه، إذ كان فتح هذا البلد الشريف واستنقاذه من الكفار من أعظم مآثر عمه الملك الناصر صلاح الدين - قدس الله روحه - لكن علم الملك الكامل رحمه الله إن الفرنج لا يمكنهم الامتناع بالقدس مع خراب أسواره، وإنه إذا قضى غرضه واستتبت الأمور له، كان متمكنا من تطهيره من الفرنج وإخراجهم منه. وقال [السلطان الكامل (٢)] «إنا لم نسمح لهم إلا بكنائس وآدر خراب، والحرم وما فيه من الصخرة المقدسة وسائر المزارات بأيدى المسلمين على


(١) انظر ايضا: المقريزى، السلوك، ج ١ ص ٢٣٠.
(٢) ما بين الحاصرتين للتوضيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>