واستوزر المقتفى يحيى بن هبيرة، فأقام حشمة الدولة؛ ثم توفى السلطان مسعود بن محمد بن ملكشاه بباب همذان يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وأربعين وخمسمائة، فاضطربت الدولة السلجوقية بموته، وكثر الخلف بين ملوكها، فحينئذ تفرد الخليفة المقتفى لأمر الله بأمر العراق، وطرد عنه نواب السلجوقية، وبنى سور بغداد، وجنّد الجنود، وجمع العساكر، وقام وزيره [٨٠] عون الدين أبو المظفر يحيى بن هبيرة بأعباء مملكته حق القيام، فقصد بغداد السلطان محمد شاه ابن محمود بن ملكشاه طالبا من الخليفة أن يخطب له بالسلطنة، فامتنع الخليفة من ذلك فجمع السلطان الجموع من الأطراف، واستعان بالأمير قطب الدين مودود ابن عماد الدين زنكى - صاحب الموصل -، فسير إليه عسكرا مقدمهم زين الدين على كوجك بن بكتكين صاحب إربل، فنازل السلطان محمد شاه بغداد من يوم السبت ثانى عشر المحرم سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة إلى يوم الاثنين ثالث عشر ربيع الأول من هذه السنة؛ ونصب على بغداد المنجنيقات والسلالم، فلم ينل غرضا، وظهر من الخليفة المقتفى لأمر الله من الشجاعة والثبات وبذل العطاء مالا مزيد عليه، ولما طال الحصار ولم ينل السلطان محمد شاه غرضا رحل عن بغداد خائبا، واتفقت وفاة السلطان سنجر بن ملكشاه - عم القوم - صاحب خراسان، وكانت الخطبة مستمرة له ببغداد، فقوى أمر الخليفة بالعراق، وقامت حشمة الدولة العباسية، ورجعت إلى أحسن ما كانت عليه؛ وكان المقتفى لأمر الله فاضلا حسن العقيدة، وله شعر حسن من جملته:
قالت أحبك، قلت: كاذبة، ... غرّى بذا من ليس ينتقد
لو قلت لى: أشناك، قلت: أجل، ... الشيخ ليس يحبه أحد