للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما انهزم العسكر الإسلامى عن الفرنج - لعنهم الله - ظنوا أنهم لا يقوم لهم قائمة بعدها، وصمموا على قصد حمص وأخذها، فلما بلغهم مقام نور الدين عندها، قالوا: «لم يفعل هذا إلا وعنده من القوة أن يمنعنا»؛ وأكثر نور الدين من الخرج، فذكر أنه قسّم في يوم واحد مائتى ألف دينار سوى غيرها من الدواب والسلاح والخيام، وتقدم إلى الديوان أن يحصروا الجند، ويسألوا كل واحد عن الذى أخذ منهم، فكلما ذكر شيئا أعطوه عوضه، فحضر بعض الجند وادعى شيئا كثيرا علم بعض النواب كذبه فيما ادعاه لمعرفتهم بحاله، فأرسلوا إلى نور الدين وأنهوا إليه القضية واستأذنوه في تحليفه على ما ادعاه، فخرج الجواب: «لا تكدروا عطاءنا، فإنى أرجو الأجر والثواب [٨٣] على قليله وكثيره».

ومن أحسن ما يؤثر عنه أنه قال له أصحابه: «إن لك في بلادك إدرارات كثيرة وصلات عظيمة للفقهاء والفقراء والصوفية والقراء، فلو استعنت الآن بها لكان أمثل»، فغضب وقال: «والله إنى لا أرجو النصر إلا بأولئك، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم، كيف أقطع صلات قوم يقاتلون عنى وأنا نائم في فراشى بسهام لا تخطئ، وأصرفها إلى من لا يقاتل عنى إلا إذا رآنى، بسهام قد تخطئ وتصيب؟ ثم هؤلاء القوم لهم نصيب في بيت المال أصرفه إليهم، كيف أعطيه غيرهم؟» فسكتوا.

وراسلت الفرنج نور الدين في معنى المهادنة، فامتنع، فتفرقوا في بلادهم؛ وفى هذه الوقعة يقول مهذب الدين بن أسعد الموصلى (١) المدرس بحمص قصيدة منها:


(١) هو أبو الفرج عبيد الله بن أسعد بن على بن عيسى الموصلى الحمصى المعروف بابن الدهان. الفقيه الشافعى الشاعر وينعت بمهذب الدين، توفى سنة ٥٥٩ هـ‍. ترجم له (ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، ج ٥، ص ٣٦٥ - ٣٦٦) قال: «كان فصيحا فقيها فاضلا أديبا شاعرا غلب عليه الشعر واشتهر به، وله ديوان صغير وكله جيد، ورحل البلاد ومدح بمصر الوزير الصالح طلائع بن رزيك وغيره»، أنظر أيضا: (أبو شامة: الروضتين، ج ١، ص ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>