للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أياما لا يتكلم ولا يتحرك وهو كالميت. وانقطع خبره عن الرعية، وكان ذلك في أواخر فصل الشتاء. وأرجف الناس في حماه بموته. وقام بتدبير أموره أستاذ داره الأمير سيف الدين طغريل، والمرجع في الرأى والمشورة إلى الشيخ شرف الدين عبد العزيز بن محمد بن عبد المحسن الأنصارى (١)، وكان الوزير بهاء الدين بن التاج، ويشارك في الرأى أيضا الطواشى شجاع الدين مرشد المنصورى (٢). وبعد أيام خف مرضه قليلا وفتح عينيه وصار يتكلم بكلام لا يكاد يفهم. وحينئذ أجلس للناس، وضربت البشائر بسلامته، فإنه كان قد وقع اليأس منه، وتحقق أكثر الرعية موته، ولم يشكوا فيه. وأذن للناس في الدخول إليه إذنا عاما. ثم بعد ذلك صار يركب وينزل، ولازمت الأطباء مداواته، وكلامه مع ذلك غير مفصح ولا يفهم منه إلا بعسر، وفى ذهنه ضعف. والأمير سيف الدين يدبر الأمور بمشاورة الشيخ شرف الدين، والطواشى مرشد، والصاحبة غازية خاتون بنت السلطان الملك الكامل، والدة السلطان الملك المنصور، قدس روحه، وسنه يومئذ نحو سبع سنين وكسر.

وبلغ السلطان الملك الصالح صاحب مصر ذلك، فعظم عليه وأحزنه، وسير إليه طبيبا من أطبائه [٣٧ ب] يقال له، النفيس بن طليب النصرانى (٣). وجاءه طبيب من الشرق ولم ينجع فيه المداواة. واستمر حاله هكذا إلى أن توفى - رحمه الله - بعد ثلاث سنين إلا شهرا، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.


(١) عن الشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصارى المتوفى سنة ٦٦٢ هـ‍، انظر ما سبق، ابن واصل مفرج الكروب، ج ٤، ص ٢٧٣ - ٢٧٤، ٢٩٣، ٣٠٣ حاشية ٧.
(٢) عن الطواشى شجاع الدين مرشد المنصورى، انظر ابن واصل، مفرج الكروب، ج ٤ ص ٦٥، ٢٦٩.
(٣) هو نفيس الدين بن طليب الدمشقى النصرانى الملكى، ذكر أحمد عيسى (معجم الأطباء ص ٥٠٥) أنه «كان من أطباء هولاكو ملك التتار وكان أكبرهم».

<<  <  ج: ص:  >  >>