القاضى محيى الدين أبى المعالى محمد بن زكى الدين والأوحد داود، وكتب لهما بالقضاء توقيع سلطانى، فكانا في حكم المستقلين، وإن كانا في الظاهر نائبين عن الشيخ شرف الدين بن أبى عصرون.
ولم يزل شرف الدين متوليا للقضاء من سنة اثنين وسبعين إلى أن عاد السلطان من مصر، فتكلم الناس في ذهاب نور بصره، وأن من يكون أعمى لا يصلح للقضاء، وفى المسألة وجهان، واختار شرف الدين وجه الجواز وكأنه الأظهر إذ لا يمتنع أن يعتمد على تعريف عدلين بمن يحضر من الخصوم كما في المترجمين بالنسبة إلى القاضى الأصم، فأشار القاضى الفاضل (١) على السلطان أن يفوض القضاء إلى ولده محيى الدين أبى حامد محمد بن شرف الدين، ويكون هو الحاكم في الحقيقة، ويظهر أنه نائب عن أبيه، بحيث لا يظهر للناس صرفه عن القضاء، ففعل السلطان ذلك، واستمر هذا الأمر إلى سنة سبع وثمانين وخمسمائة، فصرف عن القضاء، واستقل به القاضى محيى الدين بن زكى الدين إلى آخر أيام السلطان الملك الناصر - رحمه الله -.
وفى أواخر صفر من هذه السنة - أعنى سنة أثنتبن وسبعين وخمسمائة - تزوج السلطان بعصمة الدين الخاتون بنت الأمير معين الدين أنر التي كانت زوجة نور الدين - رحمه الله تعالى -.
(١) ذكر ابن خلكان أن شرف الدين هذا صنف جزء الطيفا في جواز قضاء الأعمى، ثم علق على هذا الحادث بقوله: «ورأيت في كتاب (الزوائد) تأليف أبى الحسن العمرانى صاحب كتاب (البيان) وجها أنه لا يجوز، ووقع لى كتاب جميعه بخط السلطان صلاح الدين - رحمه الله تعالى - قد كتبه من دمشق إلى القاضى الفاضل وهو بمصر، وفيه فصول من جملتها حديث الشيخ شرف الدين المذكور، وما حصل له من العمى، وأنه يقول إن قضاء الأعمى جائز، وإن الفقهاء قالوا: إنه غير جائز، فتجتمع بالشيخ أبى الطاهر بن عوف الإسكندرانى، وتسأله عما ورد من الأحاديث في قضاء الأعمى، هل يجوز أم لا؟ وبالجملة فلا شك في فضله». وقد ناقش هذه المشكلة (الصفدى: نكت الهميان، ص ٦٠ - ٦١).