للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حصن قريب يأوون إليه، فطلبوا جهة الديار المصرية، وضلّوا في الطريق، وتبددوا، وأسر منهم جماعة فيهم الفقيه ضياء الدين عيسى، وكان وهنا عظيما جبره الله بوقعة حطّين ".

وأبلى تقى الدين في ذلك اليوم بلاء حسنا، وثبت وقاتل، واستشهد جماعة من أصحابه، وهلك من الفرنج أضعافهم.

وكان للملك المظفر تقى الدين ولد يقال له شهاب الدين أحمد أول ماطر شاربه، استشهد ذلك اليوم بعد ما قتل فارسا؛ وقد كان له ولد آخر، يقال له سعد الدين شاهنشاه، وهو والد سليمان شاه صاحب اليمن الذى سيأتى ذكره، فوقع شاهنشاه هذا في أسر الفرنج، ذلك أن بعض [مستأمنى الفرنج بدمشق] (١) خدعه، وقال له: " تجئ إلى الملك، وهو يعطيك الملك " وزوّر له كتابا، فسكن إلى صدقه وخرج معه، فلما انفرد به [١٩٩] شدّ وثاقه وحمله إلى الداويّة، وأخذ به منهم مالا، ولم يزل في الأسر إلى أكثر من أربع (٢) سنين حتى استفكه السلطان بمال كثير، وأطلق للداويّة كلّ من كان لهم عنده في الأسر.

قال عماد الدين الكاتب:

" فغلّظ القلب التقوى على ذلك الولد خبر هلاك أخيه في ذلك اليوم ".

وتمت الهزيمة على المسلمين، وحمل بعض الفرنج على السلطان، فقاربه حتى يكاد يصل إليه، فقتل الفرنجى بين يديه، وتكاثر الفرنج عليه، فمضى منهز ما يسير قليلا ويقف ليلحقه العسكر، إلى أن دخل الليل فسلك البرية، ومضى في نفر يسير إلى بصرى، ولقوا في طريقهم مثقة شديدة، وقلّ عليهم القوت والماء


(١) الأصل: " من يأتى منهم إلى دمشق " والتصحيح عن العماد (الروضتين، ج ١، ص ٢٧٣).
(٢) عند العماد (المرجع السابق): " سبع سنين ".

<<  <  ج: ص:  >  >>