وأنه تقدم عنده قايماز غلام أبيه، وأقطعه الحلة، وأقطع أردن وتتامش نسيبى قايماز واسطا، وطوّق الخليفة قايماز بطوق ذهب، وسماه ملك العرب؛ وسوّره بسوارين من ذهب، وحمل إلى هؤلاء الثلاثة من الأموال ما زاد على أمانيهم وآمالهم.
وفى سنة سبع وستين وخمسمائة حصل خلف بين الوزير عضد الدولة وقايماز؛ وسعى كل منهما بصاحبه [٢١٥] وطلب قايماز من الخليفة عزل الوزير، فلم يسعه مخالفته، لقوة تمكنه من الدولة، فعزل الخليفة وزيره، فلم يكتف قايماز بذلك واشتد طمعه، وأطمع المماليك والعوام في نهب دار الوزير، فنهبت، ومزقت أمواله كل ممزق، وهتك حريمه، فغضب الخليفة المستضئ لذلك، وأنكر هذا الفعل على قايماز، وشدد عليه في إعادة ما نهب من دار الوزير، وبعث الخليفة إلى الوزير نجاحا الخادم رسولا، ليسكن منه، ووعده بإعادة ما كان له من الإنعام والقرب والمعروف، ولم تزل الرسالة إليه متواترة بما يقوى قلبه ويبسط أمله.
وأطلع على ذلك قايماز، فغضب وأظهر الخلاف والعصيان؛ هو ونسيباه ومن أطاعه، فلم ير الخليفة في تلك الحال مشاققته، وأرخى له في زمامه، وأرسل إليه يرضيه بأنه يخرج الوزير من داره إلى الحريم، وأرسل إلى الأمراء الذين مع قايماز (١) في الباطن بما يغير قلوبهم عن طاعة قايماز، وأحس قايماز بذلك، فركب مع جماعة من لفيفه مظهرا للغدر والمكر، وقصدوا دار الخلافة على قصد المحاربة، فأمر الخليفة عند ذلك بأن ينادى:" من أراد النهب فعليه بدار قايماز ".
فمضت العامة إلى دار قايماز فانتهبوها، وتفلل عنه أكثر من كان معه، ومشى على وجهه حائرا في أمره، ينكت الأرض ببنان التحير، ويغيم السماء بأنفاس التحسر.
وكانت هذه الواقعة لثلاث عشرة مضت من ذى القعدة سنة سبعين وخمسمائة، فاستدعى الوزير عضد الدين عند ذلك إلى دار الخلافة بأستاذ الدار
(١) انظر (ابن الجوزى: المنتظم، ج ١٠، ص ٢٥٤ و ٢٥٥ - ٢٥٦) و (ابن الأثير الكامل، ج ١١، ص ١٦٠ - ١٦١).