للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدعى الخليفة الناصر لدين الله فخر الدين بن المطلب، وطلب منه أن يلى الوزارة، فامتنع واعتذر، فطلب منه أن يشير بمن يصلح، فأشار بأن يستناب في الوزارة سليمان بن حارس، فولى نيابة الوزارة، وخلع عليه، ولقب بحسام الدين، فأقام مديدة يسيرة، ثم عزل.

وولى نيابة الوزارة جلال الدين أبو المظفر محمد بن النجارى، وكان فقيها فاضلا في المذهب والخلاف.

وبسط الإمام الناصر لدين (١) الله العدل، وأمر بالنداء في الناس به، وأمر بكسر الملاهى، وإراقة الخمور، وإقامة الحدود، ومنع من التظاهر [٢١٨] بشرب الخمر والمنكرات، وإزالة المكوس المضروبة على التجار الورادين إلى بغداد، فعمرت البلاد، وكثرت الأرزاق.

وكان الناصر عظيم الهيبة، عالى الهمة، وافر العقل، حسن السياسة، متيقظا، لا يفوته أمر مما يجرى في بلاده وغيرها من بلاد الإسلام.

وكان له أصحاب أخبار يطالعونه بما يحدث وما يرونه (٢) من الأمور في كل صقع، فخافه الناس خوفا شديدا، وهابوه، وكان الإنسان في العراق لا يجسر أن يجرى في بيته وخلوته ما يخاف الإنكار عليه منه، حتى كان يتوهم من أهل بيته وأخص الناس به أن ينقل خبره إلى الخليفة.

وفتح في أيامه فتوحات كثيرة، واتسع ملكه جدا، واستولى على خوزستان والجبل، وفتح كثيرا من بلاد العجم، وقامت للدولة العباسية في أيامه حثمة لم يكن مثلها موجودا إلا في الزمن القديم قبل استيلاء الملوك على العراق.


(١) انظر ترجمته في: (السيوطى: تاريخ الخلفاء، ص ٢٩٧ - ٣٠٣) و (ابن الأثير الكامل، ج ١٢، ص ١٦٨ - ١٦٩) و (ابن طباطبا: الفخرى، ص ٢٨٥) و (ابن الساعى: الجامع المختصر، مقدمة الناشر الدكتور مصطفى جواد) و (سبط ابن الجوزى: مرآة الزمان، ج ٨، ق ٢ ص ٦٣٥ - ٦٣٦).
(٢) الأصل: «يروه».

<<  <  ج: ص:  >  >>