للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودخلت سنة تسع وسبعين وخمسمائة وهو على حصار آمد، وأساء مسعود ابن أبى على بن نيسان المتغلب عليها السيرة، ولم يعط الناس من الذخائر شيئا، ولا فزق فيهم دينارا ولا قوتا، وقال: " قاتلوا عن نفوسكم "، فقالوا (١):

" ليس العدو بكافر حتى نقاتل عن نفوسنا "، فلم يفعل شيئا، وقاتلهم السلطان وزحف إليها وهى في غاية الحصانة والمنعة، وسورها يضرب به المثل، وابن نيسان على حاله في الشح، وتصرفه تصرف من أدبرت عنه السعادة، فلما رأوا الناس ذلك تهاونوا في القتال وأجنحوا إلى السلامة.

وكانت أيام بنى نيسان قد طالت ونقلت على أهل البلد لسوء صنيعهم وتضييقهم [عليهم] (٢) في مكاسبهم، والناس كارهون لهم محبون لا نقراض دولتهم، وأمر السلطان أن يكتب على السهام إلى أهل البلد ويعدهم الخير والإحسان إذا أطاعوه، ويتهددهم إن قاتلوه، فزادهم ذلك تقاعدا وتخاذلا، وأحبوا ملكه (٣)، وتركوا [٢٤٤] القتال، ووصل النقابون إلى السور فنقبوه وعلقوه، فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك طمعوا في ابن نيسان، واستطالوا في الطلب، فحين صارت الحال إلى ذلك أخرج مسعود بن نيسان نساءه إلى القاضى الفاضل يسأله أن يأخذ له الأمان لأهله وماله، وأن يؤخر ثلاثة أيام، حتى ينقل ما له بالبلد من الأموال والذخائر، فسعى له الفاضل في ذلك، فأجابه السلطان إليه، وتسلم السلطان البلد في العشر الأول من المحرم سنة تسع وسبعين وخمسمائة.

وأخرج ابن نيسان خيامه إلى ظاهر البلد، وكان التقرير أن ابن نيسان يحمل في ثلاثة أيام ما قدر عليه من المال والأثاث، وأعانه السلطان على نقل الأموال بالدواب والرجال، ورام ابن نيسان نقل جميع ماله في تلك الأيام، فتعذر عليه


(١) س: «فقال له بعض الناس».
(٢) عن س.
(٣) في الأصل «ملكته»، وس: «وأحبوا مملكة السلطان»؛ والتصحيح عن ابن الأثير، وهو المرجع الذى ينقل عنه المؤلف أخبار حصار آمد وفتحها مع تغيير طفيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>