للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلطان تبنين وصيدا وبيروت خاف أن يقصد السلطان صور فيأخذها، لأنها فارغة ليس فيها من يقاتل ولا يقوى على حفظها، فسار إلى مدينة طرابلس، وهلك فيها - كما ذكرنا -، وكان - كما قيل -: " راح يبغى نجوة من هلاك فهلك ".

وكان المركيس من أكبر طواغيت الكفر، وأغوى شياطينهم، داهية خبيثا، فخرج في هذه السنة من داخل البحر بمال كثير للزيارة (١)، ولم يشعر بما جرى على الفرنج، فأرسى بعكا، وظن أنها لهم، فلم يربها شيئا من عوائد الفرنج عند وصول المراكب من الفرح (٢)، وضرب الأجراس وغير ذلك، فأنكر ما رأى من زى أهل البلد، فوقف ولم يدر ما الخبر، وكانت الريح قد ركدت، فأرسل الملك الأفضل نور الدين - وهو صاحب عكا - بعض أصحابه [٢٨٥] في سفينة يبصر ما هو ومن هو وما يريد، فأتاه القاصد، فسأله المركيس عن الأخبار، فأخبره بكسر الفرنج، وأخذ عكا وغيرها، وأعلمه أن صور بيد الفرنج وعسقلان وغيرها، وحكى الأمر على جليته، فلم يمكنه الحركة لركود الريح، فأخذ في المخادعة، ورد الرسول يطلب الأمان ليدخل البلد بما معه من متاع ومال، فأجيب إلى ذلك، فرده مرارا كل مرة يطلب شيئا لم يطلبه في المرة الأولى، وهو يفعل ذلك انتظارا لهبوب الهواء ليسير به، فبينما هو في مراجعاته إذ هبت الريح، فسار نحو صور.

وسير الملك الأفضل الثوانى (٣) في طلبه فلم يدركوه، فأتى صور وقد اجتمع بها من الفرنج خلق كثير، لأن السلطان [كان] كلما فتح مدينة أعطى أهلها الأمان، فساروا كلهم إلى صور وكثر الجمع بها، إلا أنهم ليس لهم رأس


(١) س: «لزيارة البيت المقدس».
(٢) الأصل: «الفرنج» والتصحيح عن س و (ابن الأثير، ج ١١، ص ٢٠٥).
(٣) أنظر ما فات هنا ص ١٣، هامش ١

<<  <  ج: ص:  >  >>