وانضاف إليه أن قوما من أعداء السلطان تطرقوا إلى القول والقدح، وراموا إبعاد السلطان، وإيغال قلب الخليفة عليه، فقالوا: إنه أساء الأدب لإبقاء اسمه بالملك الناصر مضافا للاسم الأشرف الذى هو الإمام الناصر، وأن مقصوده قلب الدولة والاستبدال بها، كما فعل بالمصريين فإنه يدلّ بماله من القوة والعساكر وكثرة الممالك، وقالوا من ذلك ما كثرو أحنق الديوان.
وأفضى ذلك إلى أن أرسلوا إلى السلطان تاج الدين الأصفهانى - أخا عماد الدين الكاتب -، وقالوا: إن أخاه مطلع على الأسرار، وهو منتظم في سلك الأولياء، فعوّلوا عليه في هذه الرسالة، وردوا معه جواب البشارة، وقد كتب له تذكرة بموجبات مقاصد العتب والمخاطبة فيها، وخشنوا في القول وأغلظوا، وكان ابن البوشنجى قد عاد شاكيا من الديوان، ومخبرا بأن أخا العماد واصل بكتب عتب وغضب ولفظ ممض.
ولما قرب تاج الدين من العسكر السلطانى، وكان بعد نازلا على صور، تقدم السلطان إلى الملوك والأمراء بتلقيه، فتلقاه الملك العادل، والملك الأفضل، والملك الظاهر، والملك المظفر، والأمراء على مراتبهم، ثم ركب السلطان بنفسه وتلقاه، وبالغ في إكرامه واحترامه، وآنسه، وأراه مواضع الحصار، ومصارع الفرنج، ثم نزل وأنزله بالقرب منه، ثم حضر عنده داخل المجلس له ولأخيه عماد الدين قارئ الرسالة، وأحضروا التذكرة فقرأها عماد الدين على السلطان، وكان فيها غلظة وألفاظ مؤلمة، فقال السلطان:
" إن الإمام أجل من أن يأمر بهذه الألفاظ، والأسجاع الغلاظ، وقد أمكن إيداع هذه المعانى في أرق من هذه الكلمات، ومعاذ الله أن يحبط عملى في خدمة الديوان، وأماما نسب الأعداء إلىّ فما عرف عنى إلا الاعتراف بالعارفة ".
ثم ذكر أياديه السابقة في الفتوحات الإسلامية وإقامة الدعوة العباسية [٣١١] بمصر واليمن وإزالة الأدعياء، وإبادة الأعداء، وفتح البيت المقدس.