وهرب أيضا عبد القاهر الحلبى نقيب الجاندارية [الناصرية](١) فشفع فيه على أنه يضمن على نفسه بالعود، فعاد في ليلته، وأسر [بعد ذلك](١) واستفكه السلطان بثمانمائة دينار.
وركب السلطان يوم الخميس [٣٨١] تاسع جمادى الآخرة مشعرا أنه يريد كبس القوم، ومعه المساحى وآلات طم الخندق، فما ساعده العسكر على ذلك، وتخاذلوا وقالوا:" نخاطر بالإسلام كله ".
وخرج رسل من ملك الانكلتير ثلاثة، وطلبوا فاكهة وثلجا، وذكروا أن مقدم الاسبتارية يخرّج من الغد يتحدث ويتحدثون معه في الصلح، فأكرمهم السلطان، ودخلوا سوق العسكر وتفرجوا فيه، وعادوا إلى معسكرهم.
وتقدم السلطان إلى الأمير صارم الدين قايماز النجمى أن يدخل هو وأصحابه إلى أسوارهم عليهم، فترجل جماعة من الأكراد من أمرائهم ولفيفهم، كالجناح أخى سيف الدين المشطوب، [وزحفوا](١) حتى بلغوا أسوار الافرنج، ونصب قايماز النجمى علمه على سورهم، وقاتل عن العلم قطعة من النهار.
ووصل في هذا اليوم عز الدين جرديك النورى والزحف قائم، فترجل هو وجماعته، وقاتل قتالا شديدا، وبات ليلة الجمعة على ظهور الخيل.
وعلم السلطان أنه لاسلامة لعكا، فانفذ إليهم جماعة سرا، وقال لهم:
" خذوا حذركم من العدو، واتفقوا واخرجوا ليلا من البلد يدا واحدة، وسيروا على جانب البحر، واتركوا البلد بما فيه».
فشرعوا في ذلك، واشتغل كل منهم باستصحاب ما يملكه، فما تمكنوا من المراد حتى أسفر الصباح، وظهر سرهم، فلم يتم لهم هذا الأمر، وحرس الفرنج سائر الجوانب.
(١) أضيف ما بين الحاصرتين عن: (الروضتين، ج ٢، ص ١٨٧).