من أبيه ما كان بيد الملك المظفر قاطع الفرات، ونزل عن جميع ماله من الولايات، فأجابه السلطان إلى ذلك، ورحل من القدس ثالث صفر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، وأطلق له السلطان عشرين ألف دينار، سوى ما أصحبه من الخلع والتشريفات ووصل إلى حلب فاحتفل به أخوه الملك الظاهر صاحبها، وقام بواجب خدمته، وأحضر له مفاتيح البلد، وقدم له تقدمة كثيرة.
ولما سمع الملك [٣٩٤] المنصور بذلك اشتد انزعاجه، وراسل عمه الملك العادل - وهو إذ ذاك بالقدس - ملتجئا إليه ومحتميابه، فخاطب الملك العادل السلطان في حقه، واستعطفه له، وقال:" أنا أمضى إليه وأحضره "
وكان مقترح الملك المنصور أحد قسمين: إما حرّان والرّها وسميساط وميّافارقين؛ وإما حماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم، وأنه يكفل أخوته.
فامتنع السلطان من الإجابة إلى شئ منه، فراجعه الملك العادل مرارا فلم يفعل، وكثرت الشفاعة إليه في معناه فحلف له أولا على الرّها وحرّان وسميساط، على أنه إذا عبر الفرات أعطى المواضع التي اقترحها، ويكفل أخوته، ويتخلى عن تلك المواضع التي في يده، فالتمس الملك العادل خط السلطان، فأبى، وألّح عليه، فخرّق (١) نسخة اليمين، وانقطع الحديث، وأخذ من السلطان الغيظ كيف يخاطب بمثل ذلك في جانب بعض أولاد أولاد أخيه، ثم أعطاه خطه بما استقرت به القاعدة عليه.
ثم إن الملك العادل التمس من السلطان البلاد التي كانت بيد الملك المظفر تقى الدين أولا قبل أن يعطى البلاد الجزرية، ثم أعطى البلاد الجزرية عوضا عنها وآخر ما استقر الأمر عليه أن الملك العادل يتسلم البلاد الشرقية، وينزل عن كل ماله في الشام ماخلا الكرك والشوبك والصلت والبلقاء، ونصف خاصّه بمصر، وعليه في كل
(١) الأصل: «مخرق»، والتصحيح عن (الروضتين، ج ٢، ص ١٩٧)