الأجفان؛ إن هذا لهو الفضل المبين، فارتبطه بالتقوى التي هى عروة النجاه، وذخيرة الحياة والممات، وصفوة ما تلقى آدم من ربّه من الكلمات؛ وحير ما قدمته النفوس لغدها في أمسها، وجادلت [به] يوم تجادل كلّ نفس عن نفسها، قال الله سبحانه ومن أصدق من الله قيلا: {" وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اِتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً "} (١).
واستتم بالعدل نعم الله تعالى عليك، وأحسن كما أحسن الله إليك؛ وأمر بالمعروف فإنك من أهله، وأنه عن المنكر كما كنت تنزهت عن فعله، وأولياء أمير المؤمنين، وأنصاره الميامين، ومن يحفّ بمقام ملكه من الأمراء المطوّقين، والأعيان المعصّبين، والأماثل والأجناد أجمعين، فهم أولياؤه حقا، ومماليكه رقّا، والذين تبوءوا الدار والإيمان سبقا، وأنصاره غربا كما أن عسكرك أنصاره شرقا؛ فهم وهم يد في الطاعة على من ناواهم، يسعى بذمتهم أدناهم، وتحاكم فيهم وأنت عند أمير المؤمنين أعلاهم.
هذا وقد كان السيد الأجل الملك المنصور - رضى الله عنه - استمطر لهم [من] إنعام أمير المؤمنين المسامحة بعلقهم، وواس في هذه المنقبة التي استحق بها حسن الذكر بين طوائفهم وفرقهم، فصنهم من جائحات الاعتراض، وابذل لهم صالحات الأغراض؛ وارفع دونهم الحجاب، ويسّر لهم الأسباب، واستوف منهم عند [٩٧] الحضور إليك غايات الخطاب؛ وصرّفهم في بلاد أمير المؤمنين ولاة وحماة، كما تصرفهم في أوقات الحرب لماة وكماة؛ وعرّفهم بركة سلطانك، واقتد قلوبهم بزمام إحسانك.
وأما القضاة والدعاة: فهم بين كفالتك وهديك، والتصريف على أمرك ونهيك؛ فاستعمل منهم من أحسن عملا، فأما بالعنايات فلا.