سبعة أنفس، واستشهد محمود بن البصار وبسهم جرح، وجذفت مراكب الفرنج داخلة إلى الميناء، وكان به مراكب مقاتلة، ومراكب مسافرة، فسبقهم أصحابنا إليها فخسفوها وغرقوها، وغلبوهم على أخذها، وأحرقوا ما احترق منها، واتصل القتال إلى المساء فضربوا خيامهم بالبر، وكان عدتهم ثلثمائة خيمة.
فلما أصبحوا زحفوا وضايقوا، وحاصروا، ونصبوا ثلاث دبابات بكباشها، وثلاثة مجانيق كبار المقادير، تضرب بحجارة سود استصحبوها من صقلية، وتعجب أصحابنا من شدة أثرها، وعظم حجرها، وأما الدبابات فإنها تشبة الأبراج في جفاء أخشابها، وارتفاعها، وكثرة مقاتلتها، واتساعها، وزحفوا بها إلى أن قاربت السور، ولجّوا في القتال عامة النهار المذكور.
وورد الخبر إلى منزلة العساكر بفاقوس يوم الثلاثاء ثالث يوم نزول العدو على جناح الطائر، فاستنهضنا العساكر إلى الثغرين: اسكندرية ودمياط، احترازا عليها واحتياطا في أمرها، وخوفا من مخالفة العدو إليها، واستمر القتال، وقدمت الدبابات، وضربت المنجنيقات، وزاحمت السور إلى أن صارت منه بمقدار أماج البحر، وأهاج الدور، فاتفق أصحابنا على أن يفتحوا أبوابا قبالتها من السور، ويتركوها معلقة بالقشور، ثم فتحوا الأبواب، وتكاثر صالح أهل الثغر من كل الجهات، فأحرقوا الدبابات المنصوبة، وصدقوا عندها من القتال، وأنزل الله على المسلمين النصر، وعلى الكفار الخذلان والقهر.
والتصل القتال إلى العصر من يوم الأربعاء، وقد ظهر فشل الفرنج ورعبهم، وقصرت عزائمهم وفتر حربهم، وأحرقت آلات قتالهم، واستحر القتل والجراح في رجالهم، ودخل المسلمون إلى الثغر لأجل قضاء فريضة الصلاة، وأخذ ما به قيام الحياة، وهم على نية المباكرة، والعدو على نية الهرب والمبادرة.