عليه من تشعب الآراء وتوزعها، وتشتت الأمور وتقطعها، وأن كل قلعة قد حصل فيها صاحب، وكل جانب قد طمح إليه طالب، والفرنج قد بنوا قلاعا يتخوفون بها الأطراف الإسلامية، ويضايقون بها البلاد الشامية، وأمراء الدولة النورية قد سجن كبارهم وعوقبوا وصودروا، والمماليك الأعماد الذين خلقوا للأطراف لا للصدور، وجعلوا للقيام لا للعقود، في المجلس المحضور، قد مدوا الأيدى والأعين والسيوف، وسارت سيرتهم في الأمر بالمنكر والنهى عن المعروف، وكل واحد يتخذ عند الفرنج يدا، ويجعلهم لظهره سندا.
وعلمنا أن البيت المقدس إن لم تتيسر الأسباب لفتحه، وأمر الكفر إن لم يتجرد العزم في قلعه، وإلا نبتت عروقه، واتسعت على أهل الدين خروقه، وكانت الحجة لله قائمة، وهمم القادرين بالقعود دائمة، وإنّا لا نتمكن بمصر منه مع بعد المسافة، وانقطاع العمارة، وكلال الدواب التي بها على الجهاد القوة، وإذا جاورناه كانت المصلحة بادية، والمنفعة جامعة، واليد قادرة، والبلاد قريبة، والغزوة ممكنة، والميرة متسعة، والخيل مستريحة، والعساكر كثيرة الجموع، والأوقات مساعدة، وأصلحنا ما في الشام من عقائد معتلة، وأمور مختلة، وآراء فاسدة، وأمراء متحاسدة، وأطماع غالبة، وعقول غائبة، وحفظنا الولد القائم بعد أبيه، فأنا به أولى من قوم يأكلون الدنيا باسمه، ويظهرون الوفاء في خدمته وهم عاملون بظلمه.
والمراد الأن هو كل ما يقوى الدولة، ويؤكد الدعوة، ويجمع الأمة، ويحفظ الألفة، ويضمن الرأفة، ويفتح بقية البلاد، وأن يطبق بالاسم العباسى كل ما تطبقه العهاد، وهو: تقليد جامع بمصر، واليمن، والمغرب، والشام، وكلما تشتمل عليه الولاية النورية، وكل ما يفتحه الله للدولة العباسية بسيوفنا وسيوف عساكرنا، ولمن نقيمه من أخ أو ولد من بعدنا، تقليدا للنعمة تخليدا، وللدعوة تجديدا، مع ما ينعم به من السمات التي فيها الملك.